08-07-2023 02:09 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
يرى البعض أنّ مفهوم الأمن الثقافي يرتبط ارتباطا وثيقا بالانغلاق الثقافي والفكري ضمن بيئة مجتمعية واحدة، لا تسمح بالانفتاح على الآخر وثقافته وحضارته، ويرى البعض الآخر أنّ الأمن الثقافي يزدهر مع ازدهار الرقابة والشعارات والبروبجندا.
ربما كان ذلك صحيحا في ما مضى، حين كانت الثقافة ورقية، لكن مع تطور التكنولوجيا، وانفتاح الدول والشعوب على بعضها بشكل غير مسبوق، ومع ظهور مصطلح العولمة الذي جعل من العالم قريةً صغيرة، فإنّ الحاجة إلى الخصوصية الثقافية المنفتحة والمتأثرة بشكلٍ واعٍ على الحضارة الإنسانية، مع بقاء هويتها وخصوصيتها تبرز إلى الوجود كمعضلة حقيقية، تحتاج إلى تكاتف الجهود المجتمعية والحكومية لتشكيل درع يسمح بمرور المفيد، ويمنع كل ما من شأنه تذويب الهوية الثقافية، أو محاولة تمييعها لصالح الانفلات الأخلاقي والفكري.
فكما أنّ الأمن الغذائي ضرورة مجتمعية لمواجهة حالات القحط والجفاف والكوارث الطبيعية لمنع الجوع والاعتماد على الذات لتحقيقه، وكما أنّ الأمن الصحي مسالة وطنية تقتضي الاهتمام برعاية المواطنين من خلال توفير الكوادر البشرية الطبية المؤهلة، والبنية التحتية من مستشفيات ومراكز صحية ومستلزمات طبية، وكما أنّ الأمن العام يحتاج إلى مؤسسة أمنية وجهاز قضائي وعقوبات للحفاظ على الدولة وعلى أمن المجتمع من الانهيار، فإنّ الأمن الثقافي يغدو ضرورة للحفاظ على الوجه الحقيقي للأمة والشعب، لصناعة وصياغة الوعي الجمعي الذي يرتقي بالدولة والأفراد في ظل موجة عالمية تحاول طمس المعالم التاريخية والثقافية والحضارية للأمم والشعوب، وصهرها في بوتقة واحدة خالية من أية معالم إنسانية أو ملامح واضحة تضمن التعددية وتقبل النتاج الحضاري المتنوع للبشرية كلها، والممتد عبر آلاف السنين التي مضت.
الأمن الثقافي الذي نتحدث عنه ليس إرهابا ثقافيا أو فكريا يحرّم الإبداع أو حرية الرأي والتعبير، أو أداة تستخدمها الحكومات ومؤسساتها للقمع ومصادرة الحريات كما قد يتصوره البعض، أو إغلاق الباب في وجه التطور الإنساني والثقافات المختلفة، لكنه الحاجة إلى الحفاظ على الخصوصية المجتمعية بمنظومتها الأخلاقية والتاريخية التي شكّلت هويتها.
من خلال هذا المفهوم الذي يعنى بالثقافة الوطنية والحفاظ على مكتسباتها (ثقافة الشعب، الدولة، الأمة، وليس ثقافة الحكومات) يتوجّب وضع إطار عام وخارطة طريق، تساعد في إعادة تشكيل الهوية الثقافية وإبرازها من جديد لدى جيل يبدو أنّه بدأ يعاني من اضطرابات فكرية وثقافية وحضارية لا حصر لها.
أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-07-2023 02:09 PM
سرايا |
2 - |
تحياتي ،
موضوع هذا المقال من أسمى المواضيع وأكثرها حساسية وأهمية في عصر يتسم بإعادة تشكيل المنظومة الثقافية والفكرية لجميع الدول من قبل جماعات وقوى شريرة لا تنفك تبث سمومها في عقول الشباب لاعتناق ثقافة غريزية عبثية هدامة للمجتمعات البشرية أينما وجدت. نعم أينما وجدت سواء في اميركا أو توجو وبنين في أفريقيا. جزاكم الله كل خير |
08-07-2023 06:21 PM
شفيق الدويك التبليغ عن إساءة |