11-07-2023 10:50 AM
بقلم : يوسف رجا الرفاعي
بريطانيا العظمى بعد تربعها على عرش الامبراطورية الأكبر عبر التاريخ منفردة لمدة زادت عن ستمائة عام لُقبت بالامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس حيث كانت ما أن تغرُبُ عن مستعمرة إلا وتُشرِق على أُخرى من مستعمراتها المنتشرة في مشارق الارض ومغاربها ، عندما ادركت انها تلفظ أنفاسهاالاخيرة( كأمبراطوريه ) وأن التاج البريطاني لم يعد قادراً عليها بعد هذه القرون الطويلة من استفرادها بالعالم تفعل به ما تشاء او بالأصح فعلت به ما ارادت ، كانت تدرك وتعلم انه لم يكن على هذا الكوكب قوة تستطيع ان تحمل صولجان القيادة العالمية سوى امريكا ولم يكن هذا قراراً بريطانيا منفرداً ولم يكن قراراً تم أخذه على عَجَل بل كان ايضاً بمباركة ورضى ورؤية النظام العالمي الذي تشكل واصبح مصطَلَحاً سائدا بعد الحربين العالميتين .
في زمنٍ يُعتَبَر قياسيا تفوقت امريكا على ما عملته بريطانيا العظمى طوال سيادتها على العالم وهذا عائد الى اعتبارات كثيرة متعددة ومتنوعة والى احداث وظروف دراماتيكية حصلت وحدثت في هذا الزمن القصير جداً منذ تولي امريكا زمام القيادة العالمية والتي لم تُكمل عامها المائة الى يومنا هذا بعد ، وللمتغيرات الطارئة على الحياة البشرية بمجالاتها المختلفة من صناعية وتجارية وإتصالات وارتياد للفضاء ،كل هذه المعطيات فرضت واقعاً مختلفاً في عملية السيطرة وضبط نسق العلاقة مع العالم
" لا اريد ان اقول إستعمار العالم " فهذا اللفظ لم يعد مقبولا وإن كان موجوداً حقيقة على ارض الواقع ، فالمصطلحات قد تغيرت ايضاً .
في تطور لافت " لِفرط " القوة والنفوذ الامريكي على العالم أنها لا تحتاج الى ادوات لتنفيذ ما تريد وكل ما يلزم هو اجتماع مجلس الكونغرس الاميركي بغرفتيه الشيوخ والنواب فقط ليتم إتخاذ قرارات نافذة غير قابلة للطعن بل غير قابلة للنقاش تدخل حيز التنفيذ حال اغلاق جلسة تلك القرارات ، علماً بأن ادوات التنفيذ جاهزة ايضاً براً وبحراً وجواً كأعتى الة وقوة عسكرية حربية وجنود حرب تمثل القوة العظمى الأولى " مُكَرَّر عشر مرات " اذا ما اخذنا بالحسبان ما كشفت عنه الحرب الروسية الاوكرانية من ضعف في كافة انواع الاسلحة التي تم استخدامها في هذه الحرب مِن قِبَل الدولة ( العظمى الثانية ) بما فيها الصاروخ الفرط صوتي الذي تغنَّى به الروس كثيراً .
هذه السيطرة المطلقة والقوة المفرطة وهذه السيادة المنفردة كلها مجتمعة ليست خاضعة لمعايير وقوانين وانظمة من هيئات ومؤسسات دولية فقد لا تنطبق عليها بحال من الاحوال وهي ايضاً بعيدة كل البعد عن مراعاتها للعدالة والحق والباطل بل هي محكومة بقانون القوة وضريبة هذه القوة التي يخضع لها المجتمع الدولي بحكم " القوي " وخير دليل على كل هذا ما يشهده العالم من تعطيل لكافة المجالس والهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية دون حدوث اي خروقات او اي خروج عن ارادة هذه القوة العظمى بل كل ما نراه هو انضباط الى ابعد الحدود رغم انف المظلوم وانفلات الظالم بلا شروط او قيود .
حكمة الصين هي موروث عالمي إنساني منذ بداية تاريخها الممتد لاكثر من أربعة آلاف وخمسمائة عام فهي حِكمة متجذرة فيهم تحملها جيناتهم ما داموا احياء ، دولة تعداد سكانها اليوم ربع البشر على هذا الكوكب ، لا يمكن ان تكون بحال من الاحوال مسؤليتها تجاه شعبها في تامينه بكافة مناحي الحياة وعلى الوجه الاكمل والافضل كمسؤولية امريكا في تعاملها مع شعبها الذي لم يتعدى الثلاثمائة واربعين مليون نسمه او اية دولة على هذه الارض عدى الهند التي تتساوى معها في عدد السكان ، ان اي خلل في اي بقعة من مساحة الصين الممتلئة بشراً هو امر كارثي بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ، الهمّ الاكبر للصين هو تامين داخلها الذي عموده ومرتكزه الاقتصاد ولا شيء غيره ، حتى وان قالت انها ترغب برؤية نظام عالمي متعدد الأقطاب فهي غير آبهة بل لا ترغب بل لا تستطيع ولا تقبل ان تكون قائدة للعالم ولا ان تكون القطب العالمي الثاني ولكنها ترفض ان يتم تجاهلها ، ومن حقها ان يكون لها كلمتها فيما يتعلق بالوضع العالمي وان تجلس على الطاولة العالمية التي تجلس عليها الدول العظمى المعروفة تاريخياً كما هو الحال اليوم ولو كان صورياً كما ثَبَت .
امريكا يدها كما يُقال في العامية " في حلق الصين "
كان بامكان امريكا جعل الهند هي المصنع الامريكي القليل الكلفة بدلاً من الصين فهما متشابهتان في كل شيء ولكن لأُمور لا نعرف المغزى والمقصود منها قامت امريكا باعطاء هذا الامتياز للصين الذي لا تنكره مطلقاً بل هي مدينة لامريكا بهذا وتعلم ايضاً بان امريكا قادرة اليوم على الاطاحة بها وسحب هذا التفويض والتوكيل منها على الرغم من تمكن الصين من الوصول الى درجات متقدمة جداً في الصناعة التقليديه لدرجة انها تستطيع ان تخرج من اطار صناعة التقليد في بعض انواع الصناعات وتكون هي الصانع الحصري لها ، ولكن حكمة الصين اقوى من هذا كله .
الاتحاد الاوروبي على موعد مع انفراط عقده بعد انتهاء الحرب الروسية الاوكرانية بغض النظر عن نتيجه هذه الحرب وستكون مترنحة لا محالة بين اقتصاد مهزوز ومجتمع يبحث عن أمان أجتماعي كما اعتاد عليه منذ مئة عام ، وامريكا لن تَدَّخر جهدا في الإبقاء على تماسك حلف الناتو ، ولن تسمح لاتساع الهوة والفجوة ما بين فرنسا والمانيا التي على ما يبدو سيكون صراعا على زعامة اوروبا بعد شغور هذا المنصب بخروج بريطانيا منه ، ولن يكون من مصلحتها هزيمة بوتين ،
امريكا دولة عندها فائض في كل شيء وهي تختلف عن روسيا اختلافاً كبيرا ، فلا جار يهددها او يزعجها ولا موارد يُخشى نفاذها ، فكل ما يلزمها هو تفريغ بعضاً من قوتها وإلا ستنفجر هذه القوة في حضنها
فهي فعلاً دائمة البحث عن ند ،
وقراءة في الواقع المنظور اليوم وما تفعله امريكا وستفعله في العقود القادمة مدعومة ومؤيَّدَةً بالنظام العالمي انما هو تفويض رسمي مُجَدَّد وطويل الأمد .
يوسف رجا الرفاعي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-07-2023 10:50 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |