بقلم : د. نواف عواد بني عطية
الجلطة القلبية التي تعرض لها رئيس قاعة الإمتحان الوزاري ، تركت سؤالًا كبيرًا ، وهو هل تعتبر الجلطة القلبية إصابة عمل..؟
تباينت الآراء بين مؤيد ومعارض ، ولعلنا نوضح عددًا من النقاط ، مع تأييدي الكامل بأنها إصابة عمل .
الجلطة القلبية تعتبر إصابة عمل بالإستناد إلى قانون العمل فقد عرّف قانون العمل الأردني إصابة العمل بأنّها : " كل إصابة تحدث للعامل بسبب وقوع حادث له أثناء تأديته للعمل أو بسببه .." فقد تحدث الجلطة القلبية بسبب العمل وضغوطاته ، فالمشرع هنا جاء بإطلاق النص ، والعام يجري على إطلاقه مالم يرد نص يقيده ، وعليه ، فإن مفهوم إصابة العمل في قانون الضمان تكون في شكل المرض المهني ومحددة في (58) مرضًا مهنيًا على سبيل الحصر ، ومحصورة في عددًا من الشروط منها علاقة السببية بين العمل والمرض ، وأن تكون مدة التعرض للمسبب كافية علميًا لحصول المرض ، ولا تعد الجلطة القلبية من بينهم .
نقول إن المشرع لم يستثني الجلطة القلبية بنص صريح ولم يعددها من ضمن الأمراض ، وهذا لا يمنع من إضافتها مستقبلًا ، علاوة على أن من أشكال إصابات العمل ما تحدث أثناء الذهاب من والى العمل ، ولا يخفى أن أغلب الوفيات تكون السبب المباشر لها الجلطة القلبية .
فإذا كانت ناتجة عن كرْب العمل أي بسبب ضغط نفسي شديد وحالة غضب شديدة ناتجة عن العمل وبسببه، فمن الممكن أن تكون الوفاة ناشئة عن إصابة عمل، فمن الناحية الطبية ثبتَ أن الغضب أو الكرب الشديد الناتج عن العمل قد يؤدي إلى إصابة الانسان بجلطة قلبية .
وتطبيقًا لذلك ، فقد قضت المحكمة الإدارية في إحدى أحكامها
بأنه لا يشترط أن تكون ناتجة عن العمل ذاته أي أن السبب بحدوث
الإصابة لا يشترط أن يقع بسبب العمل مباشرة ،
وإنما يعد بمثابة إصابة العمل الإصابة التى تقع
بسبب العمل بطريقة غير مباشرة في حال قيام
علاقة بين الإصابة والعمل التي حلت بالعامل ...."


ومما يؤكد إنطباق قانون الضمان على الجلطة القلبية بإعتبارها إصابة عمل توفر الشروط التالية مجتمعة

1. أن يكون في المكان المخصص لأداء العمل أو ما يرتبط به (قاعة الامتحان) .
2. أن يقع في الفترة الزمنية المحددة لأداء العمل(الوقت المحدد للإمتحان من وزارة التربية والتعليم ) .
3. توافر العلاقة السببية بين الحادث والعمل( الوقت ، المكان ، الإمتحان ، الضغط النفسي ).
وإذا ما رجعنا للقضاء الفرنسي نجد إنه ذهب إلى أبعد من ذلك وأخذ بالفكرة المرنة وحاول من خلال أحكامه تغطية هذا الجزء من المنطقة المكشوفة ، وذلك بضم بعض الأمراض المهنية غير الواردة بالجدول إلى زمرة حوادث العمل ومنها الجلطة القلبية ، مستنداً في ذلك إلى المعايير المرنة لتحديد مفهوم الحادث . ومن أشهر هذه المواقف ؛ " ...قضية الطبيب جاندر Affaire Gendre، الذي أصيب بمرض فالج الأطفال بعد أيام من فحص طفل مصاب بهذا المرض ، فقد أنكر صندوق الضمان الإجتماعي الفرنسي حقه في التعويض بحجة عدم توفر أحد الشروط الأولية للحادث ، وهو شرط الفجائية ، ولعدم إمكان عدّ هذا المرض من الأمراض المهنية لعدم وروده في الجدول . إلا أن القضاء أقرّ حق المصاب في التعويض ، وذلك على أساس أن المرض الذي أصابه كان بسبب جرثومة يمكن عدها عاملاً خارجياً فجائياً نفذ في جسم الطبيب شأنه شأن أي آلة حادة تحدث جروحاً أو كسوراً ..." .
وهذه دعوة إلى مشرعنا بإضافة الجلطة القلبية إلى قائمة الأمراض لأن المرض سبب خارجي لا دخل لإرادة الشخص فيه ولا يشترط وجود عامل خارجي حتى ينطبق عليه شرط إصابة العمل . أيضًا ضرورة إلغاء التمييز بين الحادث والمرض المهني ، وإضفاء إصابة العمل على الحادث بكل ما يمس جسم العامل وثبت علاقة السببية بنشاطه ، ومادام إصابة العامل بمرض غير وارد في الجدول لا يحرمه من التعويض بتوفر علاقة السببية ، ضرورة الأخذ بالمنهج المرن وتوسيع دائرة الأمراض المشمولة تحت نطاق إصابات العمل .