12-07-2023 01:31 PM
بقلم : السفير قيس شقير
متى سنولّي وجوهنا شرقًا؟ وهل ستغنينا الصين عن الغرب الذي تعلقنا به، وتشبث هو بنا منذ قرون؟ وهل الانتقال هذا حتميٌ بحكم تبدّل موازين القوى وصعود حضارات وأفول نجم أخرى؟ وهل علينا فعلًا التحضير لذلك، وقد بدأت بالفعل جامعاتٌ عربيةٌ بتعليم اللغة الصينية، وسبقتنا إلى ذلك إسرائيل بنحو عشرين عامًا؟
هي بضع أسئلةٍ، وهناك غيرها، تحتّم الوقائع إقليميًا ودوليًا، سياسيًا واقتصاديًا إثارتها، ونحن مدفوعون بعلاقاتٍ اقتصاديةٍ - في المقام الأول- تنمو بوتيرة متسارعة مع الصين ودولٍ أخرى في الفضاء الآسيوي، جعلت منها الشريك التجاري الأول لكثيرٍ من الدول العربية.
ولمن شاهد الحلقة التي بثها د. معن القطامين قبل نحو أسبوعٍ حول هذا الموضوع، يستشف أن الحراك شرقًا بات مسألة وقتٍ، بحكم ما عرضه من تنامٍ للعلاقات مع الصين تحديدًا، وما يفرضه ذلك من تشابكٍ سياسيٍ بدأت ملامحه بالاتفاق السعودي الإيراني، ودورٍ للدبلوماسية الصينية فيه بارزٍ، وبعدٍ ثقافيٍ في العلاقة متوقعٍ في المستقبل المنظور.
وعليه، فإن أبرز سؤال تتوجب الإجابة عليه هو: كيف لنا أن نؤطّر العلاقة المستقبلية مع هذا العالم الجديد الموغر بالقدم تاريخًا وحضارةً؟ ولا بد للإجابة هذه من استحضارٍ مقاربةٍ لعلاقات الشرق العربي مع العالم الغربي للإطار الذي نضعه لعلاقاتنا مع الصين وفلكها المتمدد، بحكم التأثير القائم والمرشح للاستمرار من جانب القوة العظمى، ودول الاتحاد الأوروبي المنضوية تحت لواء الولايات المتحدة سياسيًا واقتصاديًا، كما يتبدى في الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا.
وما قد يكون عنصرًا إيجايبيًا في العلاقة المستقبلية تلك، أن لا صراعًا حضاريًا بيننا وبين الصين ومحيطها الآسيوي يحول دون التشابك الإيجابي معهم. فعلى عكس أوروبا، فإن صراعنا معها تجلًى بالحروب الصليبية المدفوعة ببعد ديني ظاهرٍ، واقتصاديٍ استعماريٍ مستتر طغى على تلك العلاقة، وما احتلالهم القدس إلا تجسيدًا لهذا الصراع. وأما ما نجده اليوم من ظواهر الإسلاموفوبيا، والاكسونوفوبيا التي أعادت اليمين المتطرف إلى الحكم في بعض الدول الأوروبية، فهو استمرارٌ مؤسفٌ لهذا الصراع، يغذيه تغاضي الديمقراطية الغربية عن مظاهر الإساءة المتعمدة من جانب متطرفين للدين الإسلامي ولرمزيه الأقدسين: القران الكريم، وشخص النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم.
ويستتبع ما تقدم، أن الاستعمار الحديث بشقيه: العسكري- السياسي الذي انجلى عن دولنا العربية كافةً، باستثناء فلسطين، والثقافي الماثل إلى اليوم في تفاصيل حياتنا، والتي وصلت حد التنكر للغتنا العربية، لا بدافع اختيارٍ، بل من واقع ضعفٍ ثقافيٍ معرفيٍ وتعليميٍ. فهوينا نحو اللغة الإنجليزية وثقافتها، ببنطالها الممزق، وثقافة العم سام الذي أعلن – مؤخرًا- أن بلاده تمثل أمة المثليين، بما يمثله ذلك من انحطاط خلقي.
فلا عوائق -إذن- أمام علاقاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وثقافيةٍ طبيعيةٍ مع الصين، يمكن لها أن تزدهر، تعوّض بعض ما فقدنا خلال تاريخ علاقاتنا بالغرب الممتد من احتلالٍ دام لأكثر من مئة وثلاثين عامًا متواليةً للجزائر، بما أُزهقت فيه من أرواحٍ دفاعًا عن الاستقلال والسيادة والحق بالحياة الحرة الكريمة.
وبخلاف واقع الحال مع الغرب، يمكن للعلاقة مع الشرق الآسيوي أن تُبنى على أسسٍ سليمةٍ متكافئةٍ تتبادل المصالح. فدولنا العربية اليوم على سويةٍ مقبولةٍ من الحداثة، لا تقارن بواقعها قبل عقودٍ، رغم ما يعانيه بعضها من أزماتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ كادت تعصف بكياناتها، وليس بعيدًا عنها تدخل أيادٍ غربيةٍ. وإلى ذلك، فإن التنافس، وسياسة الاحتواء التي تواجهها الصين اليوم من جانب الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، وسعيهما للإبقاء على موازين القوى الدولية الراهنة ممثلةً بتركيبة مجلس الأمن الدولي الراهنة، وبحصر حق النقض بخمس دولٍ، سيجعل من الصين أكثر حماسةً وانفتاحًا لعلاقاتٍ متوزازنةٍ مع عالمنا العربي، وما يُسمى بالدول النامية عمومًا.
كما أن نذر تبدل موازين القوى الدولية على أرض الواقع تدفع بهذا الاتجاه. وما تنامي دور الكتل الإقليمية الدولية كمجموعة دول البريكس، إلا مثالٌ ناهضٌ لذلك. فالمجموعة التي تضم دولًا بحجم الصين والهند وروسيا والبرازيل، إلى جانب جنوب إفريقيا، ستتوسع قريبًا لتضم ست دولٍ عربيةٍ هي السعودية ومصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والعراق، ودولٍ في الإقليم ( تركيا وإيران) ونحو عشرةٍ دول أخرى، ستبت دول المجموعة بشأن عضويتها خلال قمةٍ تعقدها في جنوب إفريقيا الشهر القادم، إلى جانب البحث في اعتماد عملةٍ موحدةٍ في تبادلاتها التجارية تستعيض بها عن الدولار.
ولا شك أن الأسس السليمة للعلاقات تلك ستلقي ظلالًا إيجابيةً على البعد الثقافي في العلاقة. وتحضيرًا لهذا، لا بد من أن نبادر بالسعي لمعرفة الآخر: ثقافته وحضارته، وهما بعيدتان نسبيًا عنا، على خلاف الثقافة الأوروبية التي نهلنا منها، ونقترب منها في كثيرٍ من المفاصل، إذ لم ينقطع حبل التواصل ما بيننا منذ قرونٍ، الأمر الذي يجعل الانفكاك صعبًا، إن لم يكن غير ممكنٍ دون الركون إلى عنصر الوقت والذي قد يمتد للخروج من عباءة الغرب وثقافته.
ندرك أن الوقت ما يزال مبكرًا لهذه النقلة التي سيفرضها تطور الواقع السياسي الدولي، إلا أن ما نراه على الأرض يدفعنا للتحضر لذلك، بل والبدء فيه، فلا بد من التعرف على هذا الشريك الجديد، وإثارة مسائل قد تعترض تطور العلاقة معه مستقبلًا، وما موضوع الأقليات المسلمة في الصين وأبرزهم "الإيغور، ودولٍ آسيويةٍ أخرى كالهند، وميانمار، إلا أمثلةً على ذلك.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-07-2023 01:31 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |