15-07-2023 08:11 PM
بقلم : بهاء محمد القضاه
ليس غريباً على الجميع كل هذا الحراك السياسي التنظيمي الذي يحصل في بلادنا منذ إقرار قانون الأحزاب الجديد الذي رافقه أيضاً قانون الانتخاب، قانونين انبثقا عن توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي كانت باكورة مسارات التحديث الثلاثة في بداية مئوية الأردن الثانية، وهي مسارات هامة سترسم شكل الدولة حتماً في مئويتها الثانية التي هي امتداد لتاريخ نعتز به من عمر دولتنا الأردنية.
كل هذا التفاعل الكبير في تأسيس الأحزاب الجديدة أو تصويب أوضاع الأحزاب التي أُنشئت قبل سريان القانون الجديد، أو اندمجت مع أحزاب تتقارب معها بنفس الفكر والبرنامج، أو تلك التي ستتشكل في المرحلة القادمة؛ يعطينا تصوّر أولي لشكل المرحلة المقبلة التي ستشهد حراكاً كبيراً في التنظيم الحزبي والانخراط والاستقطاب والتفاعل مع برامج الأحزاب التي ستشكل جزءاً من البرلمان القادم تمهيداً لمرحلة جديدة من العمل السياسي المنظّم في بلادنا، وهي مرحلة يُراد لها أن تتكلل بالنجاح وأن تكون وفق أفضل الممارسات التي من شأنها الارتقاء بدوائر الدولة المختلفة والوصول بعد عدة برلمانات لتشكيل الحكومات القادمة أو المشاركة بها أو حتى تشكيل حكومة حكومات الظل التي تعمل بالتوازي مع الحكومات العاملة وتناقشها وتصوّب مساراتها وفق أدواتها.
وبالعودة إلى عنوان المقال والذي أعتبره تساؤلاً مشروعاً للموظفين في القطاع العام وقد انتسبوا لأحد الأحزاب الجديدة - وأنا منهم- فإنني أجد هنا تناقضاً غريباً يقود المشهد فيما يتعلق بالعمل الحزبي لموظفي القطاع العام، ونعلم اليوم بأن هنالك انخراط كبير للأحزاب من مختلف فئات المجتمع، ولكن كيف سيجتمع النقد الذي ستنتقده الأحزاب للحكومات مع مدونات السلوك التي يوقع عليها الموظف عند تعيينه، أو حتى مع وجود بعض الأدلة الإرشادية التي يتم تعميمها دورياً على موظفي القطاع العام للالتزام بها بما يتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للموظفين الحكوميين مثلاً، وكان منها عدد من المواد التي جاءت تحت عنوان: القواعد الأساسية للاستخدام الشخصي من قِبل الجهات الحكومية لمنصات التواصل الاجتماعي وتلخصت بمجملها بضرورة الالتزام بأحكام الخدمة المدنية وكذلك إلى جميع القوانين والأنظمة والتعليمات ذات الصلة التي تضبط تصرفات وأنشطة الموظفين الحكوميين.
كما تحدّث هذا الدليل الذي يعتبر مُلزماً لجميع موظفي القطاع العام بموجب تعميم صادر عن رئيس الوزراء بأن نشاط موظفي الحكومة على منصات التواصل الاجتماعي قد يكون له تأثير على صورتها وسمعتها، لذلك يجب توخي الحذر قبل نشر أي شيء على الصفحات الشخصية أو عند التعليق على مقالات أو منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي و يجب التأكد من أن الآراء الشخصية المعبر عنها في هذه المنصات لن تنعكس سلباً على استقلالية ونزاهة الوظيفة الحكومية، وينطبق ذلك على عمليات إعادة النشر والتفاعل بالمتابعة أو بضغط زر الإعجاب أو التعليقات ما ينطبق على عملية النشر، فأي تصرف على منصات التواصل الاجتماعي يجب أن يراعي واجبات الموظف والقوانين التي تحكم تصرفاته كموظف في الخدمة المدنية، كما جاء في هذا الدليل بإن إضافة جملة حول تبرئة الذمة"، مثل "هذه هي آرائي الشخصية، لا يعفي من واجب الالتزام بالقوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بضبط سلوكيات موظفي القطاع العام.
بعد كل هذا، كيف سيكون للموظفين الحكوميين أن يتبنّوا ما ستقوده الأحزاب من آراء وبيانات لا تتوافق مع الحكومات؟ وكيف سيتم التعامل مع مثل هذه الحالات؟ وهل سيتم إحالة الموظف الحزبي لأي استجواب أو استفسار من المعنيين في وزارته في حال أنه قد تبنّى وجهة نظر معينة لحزبه لا تتواءم مع الحكومة والتي هي بالأساس مكان عمله، ونعلم بأن هنالك ضمانات ملكية بعدم التعرض للحزبيين ولكننا اليوم بحاجة لتعديل التشريعات التي تتعارض مع الأنظمة والتعليمات الناظمة للعمل الحزبي في القطاع العام أسوةً بتلك التي تم تشريعها للجامعات، وذلك لضمان نجاح التجربة كما يُراد لها، وكما يليق بالمرحلة المقبلة التي أرادها جلالة الملك أن تنجح بكل المقاييس.