19-07-2023 04:40 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
مما لاشكّ فيه أنّ القوانين بصفة عامة وجدت لحماية المجتمع، وقد ارتضتها الجماعة البشرية في مجتمعٍ ما من أجل سيادة الأمن والسلام، وفوّضت السلطة التشريعية للقيام نيابة عنها بهذا الأمر، ومن المعلوم في الفقه القانوني أنّ القواعد القانونية يجب أن تكون مجرّدة وعامّة، فالتجريد يعني أنّها لا تتعلق بفرد أو أفراد معيين على وجه الخصوص تحديدا، قدر تعلّقها بمجموع الناس، أو فئة معينة من الناس أصحاب طائفة أو مهنة أو غيرها، والعمومية تأتي بذات المعنى، لكنّ التجريد يسبق العمومية لأنّه يأتي في سياق الصياغة التشريعية، بينما العمومية تأتي في سياق تطبيق القاعدة القانونية.
الأصل أن تأتي القاعدة القانونية لحماية مجموع الناس، لا التغوّل عليهم، ومصادرة حريّتهم المكفولة دستوريا، وعلى ذلك فإنّ المشرّع يستثني من القانون في بعض أحكامه فئةً معينة من الناس مثل الصحفيين، صيانةً للمصلحة العامة، وحفظًا لحق الصحافة في النقد وتصويب الأخطاء، حتى لا يبقى الصحفي تحت سطوة الرقابة والعقوبة بسيف القانون، وعلى ذلك استقرت معظم التشريعات العالمية، وحصّنت الصحافة، بل وعامّة الناس من انتقاد الشخصيات العمومية التي تقوم بعمل عام حفظًا لهذا العمل من السلطة المطلقة، أو استغلال الوظيفة، أو حتى مجرد الخطأ في الوظيفة، لأنّها وظيفة عامّة تفترض في من يقوم عليها الإحساس بالمسؤولية والالتزام بنظام المجتمع.
في هذا الإطار يخرج مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، الذي – وللموضوعية – يحمل بعض المواد الجيّدة التي تغلّظ وتشدد العقوبة على الكثير من الجرائم التي بدأت في الظهور في الآونة الأخيرة، وتنال من الحياة الخاصة للأفراد والجماعات، لكن هذه العقوبات التي بدأ بها مشروع القانون بالسجن والغرامات المالية المعقولة، تتصاعد بشكل مفاجئ وغير معقول في المواد اللاحقة، وإن افترضنا حسن النيّة لدى من وضع مسودة مشروع القانون، إلّا أنّ حسن النية هذا سرعان ما يبدأ بالتلاشي عند مراجعة بسيطة لبعض مواده التي تتعلق بالوسائل الالكترونية مثل الواتس آب أو مواقع التواصل الاجتماعي التي سيصبح على كاهل كل من لديه مثل هذه الوسائل (من الصحفيين والمواطنين) مسؤولية الإلمام الكامل بالقوانين، حتى لا يقع تحت سلطان هذا القانون، خاصةً أنّ القانون جاء ببعض المصطلحات العمومية غير الدالّة، وغير المتفق على معناها من شخص لآخر ومن ديانة لأخرى، ومن منطقة لمنطقة، فما معنى (الحض على الكراهية، تبرير العنف، ما يحرص الشخص على صونه وعدم إظهاره للعامة) ؟؟.
هذا العموميات ستكون محل اختلاف في تفسيرها وتأويلها حتى داخل الجهاز القضائي، وهذا المشروع سيضع حتى الأصدقاء والمعارف داخل مجموعات الواتس آب تحت طائلة الخوف من إرسال وإعادة إرسال أي مادة مهما كانت خوفا من أن تصبح دليلا على جريمة قد لا يراها الكثيرون جريمة أبدا.
مشروع القانون المقدّم من الحكومة لمجلس النواب (ممثل الشعب) يحتاج إلى إرادة صلبة من نوّاب الشعب لتعديل مشروع القانون بما يتوافق مع حاجات الشعب وبما يحفظ أمن الشعب، ومن دون أن يسلب حق الشعب في حرية الرأي والتعبير المصانة في الدستور، فالوطن وأمنه الثقافي يحتاجان إلى الحرية المسؤولة، لا إلى التعسّف المبطّن في استعمال السلطة أو التشريع.
أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-07-2023 04:40 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |