حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,22 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 36819

الهوية الأردنية والأمن الثقافي

الهوية الأردنية والأمن الثقافي

الهوية الأردنية والأمن الثقافي

22-07-2023 04:06 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
يمكن فهم الهوية لجماعة ما على أنّها مجموع السمات العامة التي تميّز (جماعة) معينة عن غيرها، سواءً كانت هذه السمات دينية (ديانات، طوائف، مذاهب)، اجتماعية (عادات، تقاليد، أعراف)، تاريخية (أبطال، معارك، أساطير، قبائل)، أو جغرافية (بيئة ومكان)، وهي – أي الهوية - مما تحرص (الجماعة) على الحفاظ عليه لتتميز عن غيرها من الجماعات البشرية، وتتمظهر هذه الهوية عادةً في الفكر والأدب والفلسفة والعلوم، وفي السلوك الفردي اليومي لأفراد الجماعة، وفي مظهرهم العام ولباسهم وطعامهم.

هوية (الجماعة) الثقافية لا تختلف كثيرًا عن هوية الأفراد، فكما يحرص كل واحدٍ منّا على الحفاظ على هويته المتفرّدة (طابعه الشخصي العام في الحديث والسلوك والعناية الشخصية)، فإنّ الحال كذلك بالنسبة للجماعات المتماثل أفرادها.

لكل (جماعة) إذن هوية (ثقافية) عامّة، يتناسل منها هويات فرعية، لا تنفصل عن الهوية الأم، ولكنها تتمايز عن بعضها بشيءٍ بسيطٍ من التفاصيل الخاصة بكل (جماعة محدودة) ضمن إطار (الجماعة الأم).

ظلت الهوية الثقافية محافظةً على وجودها وكيانها إلى - تقريبًا - ما قبل عشرين سنة مضت، حين بدأت مصطلحات جديدة بالظهور، مترافقةً بأفعال ماديّة جعلت منها حقيقة قائمة، مثل العولمة، والثورة التكنولوجية، وتطور وسائل النقل والاتصال البشري، الأمر الذي أصبح يهدد وجود هذه الهوية لدى الجماعات الإنسانية، وينبئ بقرب اندثارها.

إنّ الوقوف في وجه التطور الطبيعي للبشرية أمرٌ مستحيل، ومن لا يتطور لا بدّ أن ينقرض ويزول من الوجود، لكن ذوبان الهويات (الإنسانية المختلفة) سيؤدي إلى أجيال مقطوعة الصلة بكل الإرث الإنساني لهذه الجماعات، ويجعل منها أجيالًا بلا لون ولا خصوصية ولا تمايز، وكما قال رسول حمزاتوف (من يطلق الرصاص على ماضيه وحاضره، سيطلق المستقبل عليه نيران مدافعه).

الهوية الثقافية بهذا الشكل تصبح ضرورةً للحفاظ على الأمن الثقافي خاصةً في الأردن، فنحن نمتلك هويةً (أُم)، نشترك في كثير منها مع أشقائنا العرب، وهوية دينية نتقاسمها مع كثيرٍ من المسلمين حول العالم، ولكن لدينا أيضًا هوية أردنية، وخصوصية نختلف بها عن غيرنا، هذه الهوية بدأت بالتشكّل وأخذ ملامحها العامة مع تأسيس الأردن، كدولة لها وجود وحدود، ونظام حكم مستقر ومتوافق عليه من الشعب، ورغم ما مرّت به الدولة الأردنية من أحداث عاصفة عبر تاريخها، إلّا أنّ هويتها (وتحديدا الثقافية) ظلّت وما زالت تتطور وتتبلور كجنينٍ على وشك الولادة.

في هذه المرحلة بالذات، وفي هذا الزمن تحديدًا، ومع قرب اكتمال ولادة الجنين، بدأت محاولات إجهاضه بوسائل كثيرة، ليس أخطرها الخارجية، كالثورة التكنولوجية والعولمة، قدر خطورة الداخلية المتمثلة بالفوضى السائدة التي لا تخفى على الناظر، والتي لها أسبابها الكثيرة المختلفة والمعقّدة، - التي سنتناولها بشيءٍ من التفصيل في المقالات القادمة - والتي تظهر نتائجها من خلال الأجيال الجديدة التي بدأت تعاني من الأميّة اللغوية والمعرفية وحتى السلوكية، وعبر الخجل من هذه الهوية أمام الآخر أيًا كان وعدم الإلمام بأبسط تاريخ هذا البلد ورجالاته ومؤسسيه ومؤسساته ومنظوماته الجغرافية وأحداثه الكبرى، رغم التفوق البشري والإبداعي للكثير من الأردنيين في مختلف العلوم الإنسانية.

من ابسط الأمثلة على بداية ضياع الهوية وتخبّطها أن تجد عشرينيًا لا يستطيع التمييز بين مدينة أردنية وأخرى غير أردنية، أو عشرينية ترى أنّ الثورة العربية انطلقت من اليمن وانتهت في فلسطين، أو طالبًا في الثانوية لا يعرف دول الجوار المحيطة في الأردن ولا جهاتها الجغرافية، وأن ترى اختلاط الحديث بكلمات إنجليزية أو فرنسية، أو حتى على الصعيد العربي، حيث نرى الكثيرين ممن يتحدثون بلهجات الأشقاء العرب في بلدانهم أو حتى في الأردن، حيث ترى بعض الأردنيين يحاولون الحديث باللهجة العراقية كلما اختلطوا بعراقي، أو باللهجة المصرية عند الاختلاط بالمصريين، وهذا مؤشر كبير على عدم الثقة بالهوية الأردنية، عكس الأشقاء العرب الذين يعيش بعضهم جُلّ عمره في الأردن ولا يُغيّر أو حتى يفكّر بتغيير لهجته رغم العمر الطويل الذي يقضيه في الأردن، ومبعث ذلك اعتزازه وثقته بهوية بلده.

كل ذلك يوجب على واضع المنهج المدرسي، وعلى حملة لواء الثقافة مسؤولية إنتاج حلولٍ سريعة لمواجهة هذا الخطر، خاصةً أننا محاطون بعدو يحاول سرقة هذه الهوية والاستيلاء عليها بلصوصية واضحة، ليس ابتداءً بصحن الحمص، ولا انتهاءً بالألحان والدبكات والأثواب الشعبية.

تعزيز الهوية الثقافية (الجنينة) والثقة بها، ضمن منظومة الأمن الثقافي، تحتاج إلى جرأة شعبية في الطرح والتعاطي والثقة، وإلى اهتمامٍ واقعيٍ رسمي ضمن مجموع الدولة، خارج الخطابات المكرورة، والتنظير المستهلك، حتى تولد هذه الهوية سليمةً ومكتملة الملامح.
أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين








طباعة
  • المشاهدات: 36819
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
22-07-2023 04:06 PM

سرايا

2 -
تعزيز المناهج المدرسية بالفخر بالعادات و التقاليد و بطولات أبناء الأردن و الجيش العربي و القوات المسلحة و التوعية الدائمة بضرورة مجابهة الأطماع التوسعية للعدو الصهيوني و غيره من الأمم الطامعة بفرض هيمنتها عبر دس الافكار المستفزة للفرقة و العنصرية و إنشاء مواقع إلكترونية وتطبيقات للهواتف الذكية التي تهتم بالشأن الثقافي الأردني قد يكون من أنجع الحلول العملية في تعزيز وحماية الهوية الأردنية و الأمن الثقافي و تعزيز حضور هذه المواقع على وسائل التواصل الإجتماعي خصوصا و أن الأجيال الحالية و اللاحقة يعتمد تشكيل هويتها الثقافية و المكتسبة بشكل كبير على الهواتف النقالة و الأجهزة اللوحية و عدم وجود مصادر ترفد إدراكها الثقافي سيجعلها تفتقر مع الوقت لهويتها الأردنية.



بذات السياق أستاذي أكرم الفاضل أعتقد أن محاربة التطرف و تأصيل الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن دينهم و منابتهم العشائرية و الجغرافية و سحق التعصب الأعمى نحو المناطقية و القبائلية سيسهم بشكل كبير في تقوية اللحمة الوطنية و تعزيزها و إرتقاء الشعور الجمعي بالإعتزاز بالهوية و الثقافة الوطنية و حتى من ينسب لنفسه صحن الحمص سيظهر أمام الكاميرا عاجزا عن تذوقه كما يتناوله إبن البلد الأصيل و يستمتع به بشكل يحسده عليه حد القهر أولئك الطفيليين الغريبين الحاسدين.
24-07-2023 04:49 PM

المحامي الأردني عصام حداد

التبليغ عن إساءة
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم