24-07-2023 09:30 AM
سرايا - هذا الكتاب الموسوم رأيته ماشيا، كتاب جديد للكاتبة حياة دراغمة، وهو عبارة عن نصوص أدبية نثرية، قطع أدبية قصيرة، سهلة القراءة والتصفح، وعدد الصفحات تسعون، لا أريد التعمق في هذا الكتاب قراءة وتحليلا، يكفي إضاءات وإشارات لتحديد المستوى اللغوي والفني والجمالي، الذي تتضمنه هذه الصفحات المعبرة بالأدب والعاطفة والمشاعر، حيث تم كتابة هذه النصوص في أوقات متباعدة بعض الشيء، والكاتبة دراغمة كانت حريصة على إيصال رسائل ذات مغزى، من خلال اللغة والمعنى، فالتجنيس متشابك، بين الخاطرة الأدبية والشعر وبين الومضة أحيانا، فهناك خليط من النصوص ولكن يصب كله في النزعة الشعرية الغامضة عند حياة دراغمة، فالتردد بين القصيدة النثرية الحداثية والخاطرة التي تنبثق من الوجدان في وقت معين ومناسبة معينة، يعكس حالة انفعالية وجدانية، تظهر في الألفاظ التي تحاول أن تجعلها أكثر عمقا، وثمة مراوحة بين المعاني والألفاظ، فالمعنى كثيرا ما يكون غامضا، وفي حالات كثيرة هناك ارتباك في المعاني غير متناسقة وتفضي إلى التوهان يعني النص الذي يتضمن عددا من السطور والعبارات لا تجد معنى واضحا له، ربما في قلب الشاعر كما يقال، ولكن ربما حكم الترميز أي الرمزية التي تفيد كثيرا في النصوص وفي الشعر، ربما حتى لا تكون مباشرة، وربما المجاز يكون هو ما تقصده الكاتبة حياة، ولاشك هناك مزيج من هذه الاستعارات والجماليات اللغوية والبلاغية. تقول الكاتبة:
لستُ أنا المرهونة
بالذكرى..
إنها الأيام
تكتبنا كل حين
من غير أن تُغفل
الدمعة
وتمضي الكاتبة في سطورها تتحدث عن الصور وذكريات الأيام والماضي وتقول:
هات دفتر الصور
أريد أن أطيل النظر
وأن أسمع الماضي
وأضحك
هذه نماذج من النصوص الأدبية، التي تجلت الكاتبة حياة في الوصف والاجترار والموقف فهي تريد سماع الماضي من العين والصورة، حتى الماضي والتصاقها به تريد أن تسمع الحكايات والقصص والذكريات بالعين والأذن.
وفي عنوان عرض الحائط
تقول
أرني عرض الحائط
أرني كتفيك يميلان ميلا
تدق الأرض وأنت
منكمش الظل
وفي هذه العبارات تصر الكاتبة على طرد وصرف الشخص المقصود والذي يغلق الباب بكتفيه ويغلق عليها الحياة بوجوده معها أو أمامها وعادة ما تقال هذه العبارة الشعبية في الأمثال (ورجيني عرض كتافك) يعني غير مرغوب فيك.
في نصوص هذا الكتاب هناك إرادة قوية للكاتبة بتطوير أدواتها اللغوية والبلاغية وأسلوبها في كتابة النثر وحتى الشعر الحديث أو القصيدة النثرية، فهي تسعى إلى الانتقال والتنوع والتميز ولا ننسى أن الكاتبة حياة دراغمة لها باع طويل في الكتابة ولها عدة إصدارات وتكتب في صحف ورقية وإلكترونية كثيرة، وما أنتجته وأنجزته في هذا الإصدار يعد نقلة نوعية كبداية، فالفقرات الأدبية في سطور مؤلفها جيدة وعالية المستوى، ولا يمكن التقليل من شأنها، وأرى لها مستقبلا واعدا إبداعيا، إذا استمرت في الكتابة والثقافة والإصرار، وربما تكتب القصيدة النثرية بسهولة إذا استمرت على هذا النهج، فهناك ملامح لقصيدة النثر في سطورها، وتمتلك قدرة على التعبير والصياغة لقصيدة النثر، فهناك علاقة بين النصوص والتجنيس لهذه النصوص والميل إلى الشعر عامة، فكتابها رأيته ماشيا، له ملامح وشكل قصيدة النثر.
وكما هو معروف في البدايات الأدبية يبقي الأمر ملتبسا في الكتابة، فمنهم من يبدأ بالمقالة والخاطرة لسنوات طويلة، ثم تنضج تجربته الإبداعية شيئا فشيئا مع الدربة والثقافة الغزيرة، من أمهات الكتب القديمة والحديثة، ويتطور إلى القصة أو الشعر أو الرواية حتى تتضح معالم التجربة الإبداعية وتأخذ مكانها وثبوتها.