27-07-2023 11:25 AM
بقلم : محمد يونس العبادي
الانزياحات السكانية، والتغيير الديموغرافي، هو قضية لم يطرق بابها كثير من الباحثين، رغم أنها أكثر ما هدد منطقتنا في المئة سنةٍ الأخيرة وأكثر، فكثير مما جرى لمن يتأمل، لم يكن بريئاً في مراميه، في منطقتنا.. وبعض من هذه الانزياحات لها سياقاتها المفهومة وبينها قضية اللجوء الفلسطيني.
ولكن، حين تتأمل قضايا أو مسائل أخرى فإن السياقات والمرامي ليست ببريئة، وبينها قضية اللجوء السوري، التي في جوانب منها أدت إلى ترحيل ملايين، سواء نزوحاً أم بكونهم لاجئين، فما جرى في مدنٍ تاريخيةٍ هناك أفرغها من مجتمعاتها وسكانها، وجرى الحديث لاحقاً عن إعمار الحجر، وتناست قوىً الأهم، وهو العمران البشري، وإعادة الناس ممن جارت عليهم ظروف الحرب.
واليوم، هناك حوارات منفصلة في دول اللجوء السوري، وتحديداً دول الجوار تطرح صيغ عودتهم، وهذا حديث ترتفع وتيرته بعدما تراجع المجتمع الدولي عن مسؤولياته، ولكنه حديث يترك علامات استفهامٍ كبيرةٍ إن تركت هذه القضية دون حل، فالأردن مثلاً الذي يعيش فيه نحو 2.3 مليون لاجئ سوري، تحمل الكثير من الهجرات، ولا يستطيع البذل أكثر، فقد أدى رسالته تجاه الأشقاء، واحتضنهم من منطلقاته، العروبية والإنسانية، ولا يمكن أن يبقى يبذل أكثر.
وما طرحه وزير الداخلية مؤخراً، حول ضرورة إيجاد حلٍ لقضية اللجوء السوري، هو طرح موضوعي لإدراك الأردن، أنّ أخطر ما مرّت به منطقتنا العربية، هو إعادة إنتاج خريطته السكانية بناءً على طروحاتٍ ومشاريع في بعضٍ منها هي غير بريئة، ولا تتعلق فقط بصيرورة الحدث وحده.
حتى أن ما جرى في دولٍ مجاورة، ظهر فيها خطر الإرهاب وعصابات داعش، دفع بانزياحات سكانية، أدت إلى إفراغ قرىً وبلدات بأكملها، فاختلت التركيبة السكانية التي تشبه واقع المنطقة الحقيقي، ونسيجها الذي تشكل عبر آلاف السنين، فدخل في عناوين وطروحاتٍ مذهبيةٍ، تسخر لاحقاً لخدمة مشاريع غير بريئة في منطقتنا.
وما يجري اليوم في السودان من اقتتال مثال آخر، على قضايا هجراتٍ ولجوءٍ تأخذ وجه المنطقة إلى مكانٍ آخر، فأرقام الهجرة السودانية تتصاعد بالملايين وتندفع إلى دول الجوار، وبشكل أو بمقاربةٍ لا تبتعد كثيراً عما جرى في عديد المرات في منطقتنا، وجوارنا.
إن طروحات معالجة أزمات اللجوء والهجرة في منطقتنا يجب أن تكون بوعيٍ، بعيداً عن حديث العواطف، فالعبث بالنسيج، هو أخطر ما يهدد منطقتنا، ويبقيها على الدوام منشغلة بثقافة الخوف، ومسكونة بهاجس الخلاف، لا الاختلاف الذي تشكل وبقي ضمن طبيعتها.
إننا اليوم مطالبون، بمزيدٍ من الوعي، وتامل دروس التاريخ، ذلك أن كثيراً من الهجرات سبقت الحروب، وكانت مرسومة بأهدافها ومراميها، ولم تخدم لا القادم ولا أهل البلاد الذين رحلوا، وندرك في صميم هذا الحديث أنّ دولة القيم والقانون قادرة على استيعاب الناس، والكثير من أمثلة الدول الغربية حاضرةً في بالنا، ولكن حتى هذه الدول تمنح المواطنة في سياق خطط مدروسة تحفظ بنية وهوية الدولة وبتدرج لا كما يجري اليوم في منطقتنا من انزياحاتٍ سكانيةٍ يحاول البعض تغليفها بحديث القيم.. ألم تقم دولة إسرائيل على مبدأ استجلاب السكان وطرد الفلسطينيين من أرضهم الأصلية.. وهذه العقلية تحاول إنتاج أخرى في منطقتنا إمعاناً في التجزيء وخلق مشاكل مرحلة.. حتى يأتي زمن ويقول أصحاب المآرب إنّ هذه الشعوب لا تستطيع التعايش، رغم أنها أتقنت فن العيش، وهو العيش الذي تعرفه لا المفروض عليها رغم حقيقة الجغرافيا، ووضوح التاريخ.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-07-2023 11:25 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |