29-07-2023 12:29 PM
بقلم : د.نشأت العزب
أن واقع أي مجتمع بشكل عام و واقع الفرد خصوصاً هو نتيجة سلوكه ، فكل سلوك يقوم به الإنسان اليوم تظهر نتيجته في الغد و في حال كانت النتيجة غير مرضية فيحتاج الانسان حينها لبذل أضعاف الطاقة التي تم استهلاكها في عمليه القيام بالسلوك لتصحيح هذه النتيجة، إن تراكم السلوك الغير مسؤول الذي يؤدي لنتائج كارثيه قد يصل إلى مرحلة لا عودة فيها و لا مجال لتصحيح الاخطاء، بذلك يكون قد وصل لعتبة يتدخل بها الوعي الكوني بواسطة الطبيعة لتعديل تلك السلوكات بقدر قد نراه كارثياً بمفهومنا البشري، لكن للطبيعة ميزان في إحدى كفتيه حالة التوازن الطبيعي لمكونات الطبيعة كافة التي تضمن بها السلامة و الديمومه لكل مكوناتها و في الأخرى رغبة البشر في التقدم و التطور و الكسب التي غالبا تكون على حساب الآخر و على حساب كافة مكونات الطبيعة التي نحن جزء لا يتجزء منها، فكلما زاد الفرق بين كفتي الميزان كان رد الطبيعة قاسياً في نظرنا لكنها بلغة الطبيعة هي عملية إعادة التوازن اللتي تضمن ديمومتها و ديمومة عناصرها، الطبيعة و كل مكون فيها هم كتل حية لها لغتها التي ليس بالضرورة أن تكون كلمات و إشارات كلغتنا و لها حاجتها و لها وعيها و الذي يعمل بطريقة لوغاريثمية رقمية كونية دقيقة يُفعل عند وصول الغطرسة البشرية في الكسب الفردي لعتبة ما، فنرى حينها لغة الطبيعة و التي تترجم بعواصف، موجات حر، تسونامي، زلازل و أوبئة و غيرهم الكثير لتحقق بذلك حاله من التوازن و تعطي البشر فرصة لإعادة النظر في سلوكهم.
عند النظر في الخلية البشرية عبر الميكروسكوب و النظر في الكون و مجراته و نجومه ، نجد أن الكون عبارة عن سلسلة متزامنه من الخلايا أولها هو الكون نفسه و أخرها هو ما توصل له العلم و هي خليتنا و كل خلية بداخل كل شيء طبيعي ، فإننا بإهمالنا حالة التوازن الطبيعي فنحن بذلك نبتعد عن التزامنية الكونية التي تسير بنا جميعا بسيمفونية جميلة في طريق لا نعرف حتى الآن الغاية منه سوى ضرورة العودة لإنسانيتنا و العودة للطبيعة التي ننتمي لها ، الطبيعة التي نحن جزء مكون منها ، فلا يوجد مكان يستطيع الانسان بصورته التي نعرفها أن يعيش فيه خارج نطاق غلافنا الجوي، فالحياة البشرية إكتسبت فرصة وجودها من خلال توفر الظروف الطبيعية التي توجد داخل الغلاف الجوي لكوكبنا الأم، و ما يقوم به السلوك البشري الذي غايته الكسب و يُدّفع بالإيجو (الأنا) هو مقاومة و إخلال هذا التوازن الذي به فقط توجد الحياة !
نحن و كل ما هو طبيعي حولنا نتيجة حدث تطورت به مادة أوجدت بظروف معينة سمحت لها بالتوسع و التمدد إلى ما نعرفه بتوصل العلم له اليوم ، فجيناتنا البشرية صندوق بداخله أسرار رحلة كونية عمرها 13,5 مليار سنة ، فلو توصل العلم لمعرفة كيفية فك شيفرات هذه الجينات بدقة كدقة الحدث نفسه لعرفنا معنى أن كل شيء طبيعي ينتمي لنقطة واحدة نتجت منها كل المكونات الطبيعية برحلة تطورية ذكية، فمن الضروري إدراك أن إنفصال هذه المكونات لا يعني عدم إتصالها فديمومة أي مكون هو من فعاليته في الحفاظ سير دورة الطبيعة الأم، فمن واجبنا كوننا أبناء هذه الطبيعة و العنصر الأكثر تأثيراً و تأثراً بها أن نعيد النظر في كل سلوكات الكسب و التقدم على حساب الطبيعة الأم و حالة التوازن السليم.
تقف الإنسانية اليوم أمام صعوبات حقيقية أوجدها السلوك البشري الغير متزن الذي بسعيه للكسب أهمل حقيقة مهمة و هي ضرورة الحفاظ على توازن رغباته مع غاياته الوجودية و أهمها الحفاظ على التوازن الطبيعي الذي بتوفره يستطيع الإنسان التقدم و السير في طريق تطور و تقدم إنسانيته، فما المعنى من السعي للتقدم و التطور في بيئه لا تصلح لعيش الإنسان، أن سلوك البشر بإتجاه الكسب بإهمال القيمة و جهل الفرق بين الثمن و التكلفة هو ما نتج و سينتج عنه من كوارث طبيعية و بالمحصلة اقتصادية و ما سيجعلها تولد كوارث سياسية و اجتماعية و غيرهما الكثير ، فنحن نعيش اليوم في عصر العلم و التكنولوجيا و من الجهل إن لم ندرك بهما ما يحسّن جودة حياتنا و يضمن مستقبل مشرق لأطفالنا في بيئة سليمة متزنة.
أن أول خطوة في الطريق الى كوكب هوائه نقي و مناخه مناسب للعيش و ينعم بالأمن و السلم هو التفريق بين الأنسان و البشر من أجل الوصول لنقطة نعي بها أن سلوك الإنسان مبني على تفكير عقلاني و متزن يفكر بنتائج و أثار أي خطوة قبل القيام بها، بينما البشر فتقوده غريزته الجسدية للكسب و استغلال الأخر و كأننا لم نتطور و بقينا كمن يعيش في غابة الغلبه فيها للأقوى، فالإنسان هو ذلك الكائن الذي يهتم بالآخر و أثر سلوكه عليه قبل القيام به ، الإنسان هو الذي يقيس نتائج و ثمن سلوكة على الآخر قبل القيام به، فيجعل رغبته بالتقدم و الكسب مبنية على الحب و العطاء و تحسين ظروف الآخر بدل الكسب الفردي الذي بالضرورة سيكون على حساب الاخر و حقوقه، الإنسان هو الذي يدرك و يعي أن "أنا" التفردية"singularity "هي "نحن"، فعندما تحل "نحن" مكان "أنا" بشكل حقيقي و عملي نكون فقط قد وصلنا إلى الخطوة الأولى في الطريق الى بيئة سليمة متزنة توجد لنا فرص التقدم و الرقي بإسم "نحن" الإنسانية و ليس "أنا" البشرية .
مع التقدم التكنولوجي و تقدم الذكاء الإصطناعي ، أصبح العالم و كأنه قرية صغيرة ، فأي حدث يحصل في الشرق يتأثر به الغرب بشكل مباشر ، و أي حروب و نزاعات و كوارث جديدة لم تعد تؤثر على منطقة معينه فقط، بل إنها تصبح بؤرة يعاني منها العالم أجمع، فمن الغباء و الغطرسة تقسيم العالم إلى غابة و حديقة ، فالظروف و التحديات القادمة تجعلنا أمام تحدٍ حقيقي يحتم علينا أن نحكم العقل و الإنسانية بأن نجعل العالم حديقة للجميع و بيئة صحية و سليمة لمستقبل أطفالنا أو أن يصبح العالم أجمع غابة لا مكان فيها لأي قيمة إنسانية حقيقية و لا معنى فيه لتقدم علمي و تكنولوجي، فما المعنى من تقدم و تطور لأي شيء إن لم تتحسن بها جودة حياة الأفراد و المجتمعات بشكل عادل و سليم .
azabnashatco@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-07-2023 12:29 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |