حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,22 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2869

قراءة في تعديلات قانون الجرائم الالكترونية لسنة 2023

قراءة في تعديلات قانون الجرائم الالكترونية لسنة 2023

قراءة في تعديلات قانون الجرائم الالكترونية لسنة 2023

29-07-2023 01:07 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور المحامي إبراهيم النوافلة
يقول الله تعالى في محكم تنزيله وفي الآية (18) من سورة (ق): ﴿ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾. فإن كان في القول حسنة كتبها ملك اليمين المكلّف بتوثيق أفعال الخير، وإن كان فيه سيئة كتبها ملك الشمال المكلّف بتوثيق أفعال الشر.


وثمة فارق كبير بين الإساءة - التي تمثّل نشاطا جرميا- والنقد البنّاء، فبينما تنطوي الإساءة على تجاوز لحدود اللباقة والأخلاق سواء كانت الإساءة موجهة لمؤسسات الدولة أو للقائمين عليها أو للأفراد، وفي حين أنها أمر يناهض مفاهيم الأخلاق وقيم الإنسانية، لا سيما عندما تتجاوز الإساءة شخص المجني عليه لتعبر دربها الى اهله وذويه، وتسعى إلى بث الفرقة وهدم قيم المجتمع، فهي توجّه إلى شخص المجني عليه لا إلى عمله وأداءه، كما أن المسيء يلجأ إلى قبيح القول، لأنه غالبا ما يتميّز بقلة المعرفة وضعف الحجة. فالإساءة هي نقيض النقد البنّاء المستند إلى الحقائق الثابتة، لا إلى الشك والبهتان والرمي بجارحة القول، فهو ظاهرة حميدة وضرورة اجتماعية تساهم في تصحيح المسار في مضمار الصالح العام، لأن النقد البنّاء ينهض وفقا لأسس وقواعد علمية وأخلاقية، فهو يتميز بالموضوعية التي تقوم على الحقائق المجردة، والتي تثني على الإيجابيات قبل التشيّث بنشر السلبيات، كما أنه يقدم النصائح ويطرح الأفكار ويقترح البدائل والحلول التي تسهم في تطوير قيم المجتمع، وتعزز أركان الدولة والنهوض بمؤسساتها.


ولا يخفى على المتتبع لوسائل التواصل الاجتماعي، ما يتضمنه الفضاء الالكتروني من جرائم، فذلك الفضاء أصبح موبوء بالجريمة سواء كانت تلك الجرائم موجهة للدولة ومؤسساتها أم موجهة للأفراد. لا سيما أن الوسائل الالكترونية تسهل ارتكاب الجريمة، وتخدم فاعلها في تحقيق غايات ارادته الآثمة.


ولا يفوتنا التذكير بذلك المثل القائل: " لكل ساقطة لاقطة". فالفضاء الالكتروني ليس بيتا مغلقا ولا حصنا منيعا يعجز الأعداء عن الوصول اليه، بل أن كل ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة الالكترونية متاح للكافة داخل الدولة وخارجها، ومن شأن ما ينشر بلا وعي ولا إدراك ولا رويّة ولا تبصّر بالعواقب، أن يكون موضعا للتقصّي والتحليل من قبل أعداء الدولة، وبالتالي جمع المعلومات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى العسكرية، والمساهمة في وضع الخطط العدوانية التي من شأنها النيل من سلامة الدولة وأمنها ووحدتها واستقرارها.


ومع ايماننا بخطورة الفضاء الالكتروني في الجانب الجنائي، وما يتركه من آثار سلبية على الفرد والجماعة، وما قد يلحقه من مساس بأمن وسلامة الدولة، خاصة مع انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي خصوصا الهواتف الذكية منها، والتي أصبحت في حوزة السواد الأعظم من الناس، فإن الحاجة تفرض إعادة النظر في نصوص قانون الجرائم الالكترونية.


ومع أننا نؤيد ما يذهب اليه جانب من فقه القانون الجنائي في الأردن، من الغاء القانون بمجملة وإعادة النظر في نصوص قانون العقوبات، وتضمين القانون نصوصا تقضي بتشديد العقوبات إذا ارتكبت الجريمة بإحدى الوسائل الالكترونية، لأن الجريمة في بنيانها القانوني هي ذاتها، سواء ارتكبت بالوسيلة التقليدية أو بالوسيلة الالكترونية، إلا أن الوسيلة الالكترونية من شأنها تسهيل ارتكاب الجريمة وتضمن للفاعل الوصول الى غايته الاجرامية، وهذه علّة التشديد، إلا أنه لا يوجد ما يمنع المشرع من إعادة النظر في قواعد القانون، وفقا لمقتضيات الواقع وما تفرضه التطورات الحاصلة في المجتمع. وهذا نهج تتبعه الدولة القانونية، كلما دعت الحاجة الى إعادة النظر في منظومتها القانونية.


فهذا المشرّع الإماراتي في المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الالكترونية يعاقب على الابتزاز والتهديد الالكتروني في المادة (42) بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تقل عن (250.000) مائتين وخمسون ألف درهم ولا تزيد عن (500.000) خمسمائة ألف درهم أو بإحدى العقوبتين. كما يجعل العقوبة هي السجن المؤقت مدة لا تزيد عن عشر سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جريمة أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار... ويعاقب على جريمة السب والقذف في المادة (43) بالحبس وبالغرامة التي لا تقل عن (250.000) مائتين وخمسون ألف درهم ولا تزيد عن (500.000) خمسمائة ألف درهم أو بإحدى العقوبتين، وإذا كانت الأفعال المرتكبة موجهة إلى موظف عام، أو مكلف بخدمة عامة بمناسبة أو بسبب تأدية عمله عُدَّ ذلك ظرفاً مشدداً للجريمة، ويعاقب على افضاء الأسرار والاعتداء على الخصوصية بالحبس مدة لا تقل عن (6) ستة أشهر والغرامة التي لا تقل عن (150,000) مائة وخمسين ألف درهم ولا تزيد على (500,000) خمسمائة ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين ويعاقب في المادة (53) كل من أستخدم موقع أو حساب إلكتروني لإتاحة محتوى غير قانوني والامتناع عن إزالته، بغرامة لا تقل عن (300,000) ثلاثمائة ألف درهم ولا تزيد على (10,000,000) عشرة ملايين. وقد أجاز المشرع في المادة (59) للمحكمة عند الحكم بالإدانة في أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المرسوم بقانون أن تقضى بأي من التدابير الجزائية الآتية:

الأمر بوضع المحكوم عليه تحت الإشراف أو المراقبة الإلكترونية أو حرمانه من استخدام أي شبكة معلوماتية، أو نظام المعلومات الإلكتروني، أو أي وسيلة تقنية معلومات أخرى، أو وضعه في مأوى علاجي أو مركز تأهيل للمدة التي تراها المحكمة مناسبة، أو بإغلاق الموقع المخالف إغلاقاً كلياً أو جزئياً متى أمكن ذلك فنياً، أو حجب الموقع المخالف حجباً كلياً أو جزئياً للمدة التي تقررها المحكمة. كما يعاقب المشرع بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على (5,000) خمسة آلاف درهم، كل من يخالف أي تدبير من التدابير المحكوم بها، وللمحكمة أن تأمر بإطالة التدبير مدة لا تزيد على نصف المدة المحكوم بها ولا تزيد في أية حال على (3) ثلاث سنوات أو أن تستبدل به تدبيراً آخر من التدابير المذكور، بل أن المشرع الاماراتي وفي نص احتياطي، قد اعتبر استخدام الشبكة المعلوماتية او النظام المعلوماتي او الموقع الالكتروني أو أي وسيلة تقنية معلومات ظرفا مشددا، إذا استخدم أي منها في ارتكاب أي جريمة لم يرد عليها نص في المرسوم بقانون.


أما القول بأن التعديلات التي تضمّنها مشروع القانون من شأنها الحد من الحرية الشخصية، فالحرية ليس مفهومها التطاول والتنمّر والنيل من الكرامة الإنسانية واضعاف النسيج الاجتماعي ونشر اسرار الدولة، بل هي ملكة إنسانية يتمتع بها العاقل، تمكّنه من اتخاذ قراره، فهي ليست أداة للخراب وليست سلما للإساءة، فالحرية لها قيد، وقيدها هو عدم الاضرار بالأخرين. أما القول بأن التعديلات من شأنها أن تقيد حرية الصحافة والاعلام، فلا يخفى على الجميع أن هناك كثير من المواقع الالكترونية في الدولة، والتي تمارس مكنة النقد البنّاء وبحرية وبدون إساءة، ولم يتم التعرّض لها ولا الحد من حريتها.


وإذا كان للمشرع الحق في تنظيم الحقوق والحريات الفردية والعامة، إلا أن تلك الحقوق والحريات مكفولة دستوريا، إذا ما تم ممارستها وفقا للضوابط التي وضعها المشرع. وقد كفل الدستور الأردني حرية الرأي والتعبير، كما كفل للفرد الحق في مخاطبة السلطة، فالمادة (15-1) من الدستور تنص على أنه: "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون". كما تنص الفقرة (3) من ذات المادة على أن: " تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الاعلام ضمن حدود القانون". (17) للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية وبالشروط التي يعينها القانون".


فهذه النصوص الدستورية، كافلة للنقد البنّاء الذي يستند إلى أساليب علمية ويقوم على دعائم أخلاقية، وينأى عن التجريح والإساءة المستندين إلى الاثم والعدوان، فالتستر بالفضاء الالكتروني لارتكاب الجرائم والخوض في اسرار الدولة ونشرها على غير علم وهدي من الحفاظ على الأمن الوطني، هي نقائض الجرأة وقوة الشخصية وكلمة الحق.
وإذا كانت قواعد القانون تتضمن عنصري التكليف والجزاء، فإن قواعد الجزاء يجب أن تتناسب وجسامة مخالفة قواعد التكليف. وإذا كان من المسلّم به أنه لا يجوز للإنسان أن يصنع لنفسه ناموسا يخرج به عن الألفة والعرف العام، فإن القضاء سيساير كل متهم سماعا ودفاعا، قبل ان يخلص في خلوة مقدسة إلى الإدانة، ولن يدين إلا من تستغرقه الأدلة استغراق السوار للمعصم.


وإذا كان المشرع الدستوري قد ترك للمشرع العادي مكنة تنظيم الحقوق والحريات إلا أنه قد قيّد تلك المكنة بقيد عدم المساس بجوهر الحق، فلا نرى أن التعديلات الأخيرة لقانون الجرائم الالكترونية قد نالت من جوهر الحق في التعبير عن الرأي، كما أن القضاء الدستوري هو الحارس الأمين على الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، ويملك ابطال النصوص القانونية المتصادمة مع الدستور عند الدفع بعدم دستوريتها من قبل أي صاحب مصلحة في دعوى موضوعية.
حفظ الله الأردن، وجعل أرضه آمنةً مستقرةً، ورفع شأنه وأعزّ أهله، قيادةً وشعباً.








طباعة
  • المشاهدات: 2869
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-07-2023 01:07 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم