حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,27 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 4033

موسم الهجرة إلى الشرق(2)

موسم الهجرة إلى الشرق(2)

موسم الهجرة إلى الشرق(2)

31-07-2023 09:59 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : السفير قيس شقير
لم تستجب إلى حينه لا السويد، ولا الدنمارك لاحتجاجات الدول العربية والإسلامية على حرق المصحف الشّريف وتكراره، إمعانًا في استفزاز مشاعرهم. كما لم يرق رد فعل الدول الغربية، حاملة لواء حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية إلى مستوى الإدانة القاطعة، فتجرّم الفعل الشنيع، حفاظًا على القيم الإنسانية وعلى رأسها صون المقدّس منها واحترامه. ولعل ردة الفعل هذه، ومحدودية أثر ردة فعل الدول المتضررة مما اقترفت أيدي بعض متطرفي الغرب، أسهمت في تجاهل كلا الدولتين لما بدر من ردود فعلٍ دوليةٍ وإسلاميةٍ وعربيةٍ، وهو ما يصل بنا إلى سؤالٍ نوجّهه لأنفسنا: " هل دنت ساعة الفراق؟ هل وصلنا بالفعل إلى ما بشّر به صمويل هنتنجتون من صراعٍ مكشوفٍ للحضارات؟

وللحقيقة، فأن أكثر من شاهدٍ يدفع بنا لإعادة التفكير لا في العلاقة مع الغرب قيمًا ومصالح سياسيةً، بل وفي تحديد إطارٍ حامٍ لقيمنا، وثقافتنا، وهُويتنا في وقتٍ تنزلق فيه قيم الغرب نحو منحدر التسويق للمثلية الجنسية، وفرضها بصلفٍ ملفتٍ للنظر.

وهنا، يبرز السؤال: من وراء الترويج للانحطاط الخلقي هذا؟ هل حقًا تبدّلت منظومة الأخلاق عند بعض دول الغرب، فانقلبت على الفطرة الإنسانية أولًا، وعلى القيم الدّينية ثانيًا؟ وهل بات علينا - حمايةً لقيمنا - أن ننأى بها بعيدًا عنهم، ونفترق؟ وهل الفراق ممكنٌ؟ أم علينا التعايش مع الواقع الجديد؟ وكيف لنا ذلك، ونحن كلنا مستهدفون بقيمنا، وثقافتنا، وحضارتنا، وبوجودنا.

إن من دواع إعادة التفكير بتوجهاتنا النمطية نحو الغرب أنه ما عاد قبلةً للباحثين عن العيش الكريم والحالمين بالثروة، والحياة الرغيدة في مجتمعٍ ترقى فيه القيم الإنسانية، وتجد من يذود عنها. فبعد تدفق اللّاجئين إلى سواحل أوروبا وحدودها، أقفلت عديدٌ من الدول حدودها، وسيّجت الشواطئ بستارٍ حديديٍ، وبدّلت قوانين الهجرة إليها والإقامة فيها، وعطّلت العمل بحق اللجوء السياسي حمايةً لمجتمعاتها من خطرٍ داهمٍ يمثّله المهاجرون غير الشرعيّين، استجابةً لفكر اليمين السياسي المتطرف، والذي بات يهمين على بعض ساحاتها السياسية، وهو ما يُشكل ردةً عن قيم الليبرالية السياسية، وعودةً إلى نظرية الواقعية في العلاقات الدولية (Realism) في تعاملها مع ما عدّته تحدٍ لكيانها السياسي. فسقطت بذلك مبادرات التعاون الأورو-متوسطي بدءًا من مسار برشلونة عام 1995، من شراكةٍ أورومتوسطية، فجوارٍ أورومتوسطي، فاتحاد من أجل المتوسط، وبان أن سياسات التعاون بين ضفتي المتوسط لم تكن لتخلق فضاءً بينهما مستقرًا ومزدهرًا اقتصاديًا، وسياسيًا، وثقافيًا، بدليل موجات المهاجرين غير الشرعيّين تلك، والتي ما تزال تدقّ أبوابها من يأسٍ وقنوطٍ من بصيص أملٍ باستعادة دولهم لبعضٍ من استقرارٍ، لا من ازدهارٍ، فأضعنا بذلك عقودًا ونحن نضع آليات تعاونٍ مشتركٍ في مختلف المجالات، كان لها أن تنهض بالجوار الأوروبي بما لا يدع مجالًا لهجرةٍ غير شرعيةٍ إلى الضفة الأخرى من المتوسط، ويدحض بالتالي، مقولة أن دول جنوب المتوسط وشرقه ما هي الّا سوقٌ كبيرةٌ لمنتجات دول أوروبا، وغيرها من الدول المتقدمة عمومًا.

وعلى صعيد آخر، بات من يعيش في كنف المجتمعات المتقدمة يعاني من ظواهر عداءٍ مقيتٍ اتخذ من الإسلاموفوبيا والإكسينوفوبيا، عنوانًا له، وزادت المعاناة إذ وجد مواطنو الدول تلك -من أصول ٍ عربيةٍ ومسلمةٍ- أنفسهم عرضةً لفرض ما لا يقبلونه في تربية أبنائهم بما تمليه عليهم المثلية الجنسية، وما اتفق معها من مزاعم قيمٍ تربويةٍ متحررةٍ من ضوابط الخُلق والفطرة السليمة.

وباتت بعض الدول المتقدمة عرضةً لأزماتٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ أشبه بما هي عليه حال الدول المصدّرة للهجرة غير الشرعية. فبتنا نجد فيها اضراباتٍ يوميةٍ احتجاجًا على الأوضاع المعيشية والسياسات الاقتصادية، واضطراباتٍ مجتمعيةٍ على خلفياتٍ عرقيةٍ ودينيةٍ. فأين المجتمعات تلك من أحلام الحالمين، وطموحات المغامرين؟

وليس من قبيل المبالغة القول بأن الوجهة السياحية والترفيهية، وحتى لعالم الأعمال من النخب أصحاب الثروة، لم تعد حكرًا على دولٍ غربيةٍ فحسب، فغدت دبي وجهةً تُذكر مع سنغافورة، ونجحت قطر باستضافة أولمبياد كأس العالم، فامتلكت بنيةً تحتيةً تؤهلها لأن تكون وجهةً أخرى مماثلةّ، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ وتشمل دولًا عربيةً عدةً.

ويردّد كثيرون مقولة الإفلاس الحضاري للغرب بانزلاقه إلى حافة المثلية بما غدت تمثله من فرضٍ لقيم الانحلال الأخلاقي، ومن تجاوزٍ لقيم الديمقراطية التي يُفترض بها أن تحفظ حقوق الجميع كبيرًا وصغيرًا في مجتمعٍ يتّسع لمختلف الأفكار، والمعتقدات، والقيم الإنسانية ويحترمها. أفليس هذا مسوّغٌ لنا لإعادة التفكير في توجهاتنا نحو الغرب وقيمه الطارئة؟ أو لا تُنذر التحولات هذه، أو الشواهد التي سبقت الإشارة إليها، بضرورة تأطير قيمنا دفاعًا عنها؟ ولم لا يكون هذا الإطار جامعًا لقيمنا التي نتشاركها مسلمين ومسيحيين، فنُبرز بوضوحٍ إفلاس ما يُراد أن يُروّج له بأنه من باب الحداثة والتقدم، ليظهر الوجه الحقيقي للمثلية وما شابهها من معاداةٍ مرفوضةٍ للدّين، ومحاربةٍ لأخلاقنا مسلمين ومسيحيين.

إن التأطير هذا يستوجب منّا تفكيرًا متأنيًا، فالعالم من حولنا يشهد تحولاتٍ جيوسياسيةً بدأت مؤشراتها بالاستقطاب الأمريكي الصيني الراهن، ومصالحنا مع الغرب عمومًا لا يمكن تجاوزها بين عشيةٍ وضحاها، وهذا ما لا يمنع أن نولّي وجوهنا قِبل الشرق، فنضع أساسًا لعلاقةٍ مستقبليةٍ تحترم قيم الطرفين ومصالحهم في آن، وتوظّف التجربة الراهنة لنا مع الغرب عبر قرونٍ من تفاعلٍ غلب عليه الصدام، فتجنبنا الأسس التي نتفق عليها مع شركائنا الآسيويين المحتملين صدامًا مشابهًا، إذ لم نعد بعد تجاربنا الممتدة مع الغرب، والتي كان من محصلتها استعمارٌ عسكريٌ سياسيٌ، وآخر ثقافي، قادرين على إدامة العلاقة تلك على نحو ما يريده الغرب لنا، أو يسعى لفرضه علينا.








طباعة
  • المشاهدات: 4033
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
31-07-2023 09:59 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم