10-08-2023 10:18 AM
بقلم : د.نشأت العزب
عند دراسة تفاصيل السلوك البشري نجد أن المؤثرات الخارجية التي تؤثر عليه أكثر مما قد يتصور المرأ، فبعيداً عن الثقافة و التربية و الإعلام أو الجينات نجد أن أجدادنا و قبل مئات السنين قد لفت إنتباههم و كتبوا عن أن الموقع الجغرافي أيضا قد يؤثر في سلوك الأفراد و ذلك إعتمادا على إرتفاع و إنخفاض درجات الحرارة و حالة القمر و الشمس ، فالإنسان مكون طبيعي يتأثر و يؤثر بكل ما هو طبيعي وينتمي بالمحصلة للطبيعة الأم .
أن الإنسان هو ما يعتقد و ما يعتقد هو محصلة ما يدرك و ما يدرك هو محصلة سلوكه و سلوكه هو النتيجة النهائية للعوامل و الظروف و الخبرات التي تحيط به و يقررها عقله فتعكس بذلك وعيه، و خلاصة المجتمع هو ما عمم من وعي الأفراد .
ان التعامل مع الكلمات ليس بالأمر العادي فلكل كلمة طاقة و طاقة الكلمة تترك الاثر بقدر حالة قائلها و متلقيها عند سماعها و تطابقها مع احتياجاته أو إحتياجات عقله اللاواعي، تماما كما لعبة البزلز عندما تحاول وضع الشكل المناسب في المكان المطابق له ، و في هذه الحالة يكون للكلمة الأثر الكبير في التأثير على الناس و خصوصا على عواطفهم و ما هو مختبىء في العقل اللاوعي عندهم و بالتالي يكون التأثير على المجتمع ككل.
عندما يبدأ الأفراد و المجتمعات بالمطالبة و محاولة تحقيق أفكار و سلوكات مثل الحرية و الديموقراطية مثلاً، عندها يجب طرح سؤال مهم و مفصلي و هو الأساس و نقطة الإرتكاز الذي تستند عليه تلك المجتمعات في طريق تحقيق ذلك ؟ ، ففي حال كانت تلك المجتمعات تنستند لأي قاعدة غير قاعدة الإنسانية الحرة المحظة فإنه بذلك لا يحقق أي نوع من الحرية أو الديموقراطية و إنما شيء أخر مختلف عنهما في التطبيق و النتائج، إن غياب الإستناد لنقطة ارتكاز إنسانية محايدة يحوّل تلك الأفكار لأيدولوجيات لا تخدم تلك المجتمعات و لا تستطيع الإسهام في رفعتها و تقدمها و إنما العكس تماماً، فقد أثبتت التجارب المجتمعية للشعوب العربية لهذين الكلمتين مثلاً أن الشعوب إستهلكتهما و جعلتهما وسيلة للوصول لأهداف فردية مستغلة بذلك عواطف تلك المجتمعات التي تستند لأسس دينية، قومية أو غيرهما، فمثل هذه التجارب تجعلنا نتسأئل و ندرك؛ كيف لمجتمع متنوع يطالب فيه تطبيق تجربتين مهمتين كالحرية و الديموقراطية في حال نجح في تحقيقهم فهو بذلك يكون فعل نقيضهم تماماً و ذلك لأن ما فعله في محاولة الوصول لهما هو استهلاك تعاطف جزء من المجتمع و لا يمت بأي صلة لأي أساس إنساني يخدم مجتمع ككل و ليس فئة معينه، بمعنى أخر إستخدام هذه الكلمات للوصول لنتيجة تناقض أصل تلك الكلمات و الغاية منهما.
أعتقد أنه لو تم عمل إحصاء إجتماعي في مناطق مختلفة من العالم لوجدنا أن حديث معظم الناس و خصوصاً العالم الثالث عن الحرية أو الديمقراطية و مفهومهما لديهم ينتاقض تماماً عن أصل هاذين المفهومين و يعكس بشكل واضح الخلل في الوعي للأساس الذي تحتاجة تلك الكلمتين قبل حتى البدء في الحديث عنهم علاوة على المطالبة بتطبيقهم، فالكلمات تخفي خلفها سلوك و السلوك الناتج عن أساس غير سليم و مشوه بالقبلية و القومية و الإنحياز الفكري لا يمكن أن يصنع نتيجه سليمة و إنما كارثية على الفرد و المجتمع .
يمكن التعامل مع هكذا إحصاء على انه مجرد إحصاء لا اكثر لكن عند النظر لمخرجات هذا السلوك و الوعي المطالب به لوجدنا أنها كارثية و بسببها دمرت بلاد و شرد الملايين حول العالم . فالحرية مثلاً ليست فكرة كما يتصورها الأغلب في روايات الخيال العلمي و في أفلام هوليود ، فالحرية كلمة أعمق بكثير من السياق التي يتم استخدامها فيه و التأثير بها على عواطف و مشاعر الشعوب و الأفراد و بالتالي خلق من ذلك فوضى أو إستخدامها من قبل أشخاص يحملون بداخلهم الأفكار المتشددة و المتمسكة بأصولية فكرية تنبذ الاخر ، و قد وضعت هرم للحرية قسمت فيه ما يحتاجه الفرد لرفع الوعي لديه و بدأ الحديث عن هكذا سلوكات، و يحتاج أي مجتمع أن يكون معظم أفراده و من خلاله واعين بأنفسهم أولاً و بالظروف و الشروط المحلية و العالمية للبدء عندها بالحديث عن هذا السلوك الذي يحمل نتائج قد تكون متناقضة في حال كان ما يرتكز إليه أي فكرة غير الإنسانية، فلا يمكن لأي مجتمع أن يكون نافعاً لنفسه دون وعي أن سلامته تتحقق من سلامة كل أفراده بغض النظر عن أديانهم، أعراقهم، أفكارهم أو ألوانهم.
أننا اليوم نعيش في عالم متسارع بشكل جنوني ، فالبيروقراطية في تنفيذ القرارات و التشريعات جعلت من الديموقراطية سلوكاً غير عملياً، فإنه إلى أن يقر أي قانون و يتم الموافقة عليه يكون قد مضى من الوقت وجب عندها تعديله أو أقرار قانون غيره يتناسب مع واقع الحال . و الحرية و المطالبة بها على الشكل الذي نراه في العالم و نسمع به يولد نتائج لا تحمد عقباها و ينتج أسباب و كوارث أصعب بكثير مما بدأت بها هكذا مطالب .
المجتمع هو كيان متكون من أفراد ، رفعة المجتمع و تقدمه و جعله بيئة سليمة للإبداع و تحقيق العدالة ينتاسب طرديا مع ارتفاع عدد من لديهم وعي سليم فيه.
إن خطورة غياب الوعي المجتمعي لأثر كلمات و سلوكات كهذه تجعل المجتمعات عرضه للخطر و التلاعب من قبل من يحملون أجندات لا تمت للإنسانية بصله و إنما تخدم أهداف شخصية أقلها ضرراً الوصولية و عدم تقدم المجتمعات، فنحن بحاجة لبدء طريق طويل يهدف إلى تغير الوعي المجتمعي من خلال برامج تتناسب مع طبيعة المجتمعات و ظروفها، فعلى الرغم من عدم وجود مجتمع سيء و مجتمع جيد فلكل تجربة مجتمعية مزاياها و عيوبها، لكن هنالك الكثير من الأمثلة التي يمكن تبادل الوعي المجتمعي من خلالها دون الحاجة لنقلها كلياً لمجتمع كالعربي،فما يصلح في الغرب قد يكون تأثيره سلبياً في الشرق و الهدف هو وصل لوعي مجتمعي سليم و ليس نقل ثقافي يخلق الصراع و العداء، فمن غير العقلاني حل أي مشكلة بالقوة و بفرضها أذا كان ممكن حلها بالدبلوماسية و العقلانية و خصوصا في مجتمعات تتأصل فيها العديد من الأفكار و المواريث التي تجعل من هذا الشيء أكثر صعوبة، لكن و في المحصلة لا معنى لأي هوية أي كانت لا تكون بؤرتها إنسانية سليمة .
azabnashatco@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-08-2023 10:18 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |