12-08-2023 04:08 PM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
مما لا شك فيه أنّ لكل دولة ثقافتها العامة الخاصة بها، الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والجغرافية، والتاريخية، والسلوكية، وغيرها مما يفترض أنّها تشكّل الوعي الجمعي لأفراد الدولة، صغيرها وكبيرها.
يحرص عقل الدولة (منظومة الحكم المتكاملة فيها بمختلف مؤسساتها)، وراسمو سياساتها على خلق سور حصين يحافظ على هذه الثقافة، ويضمن ديمومتها، واستمرار انتقالها من جيل إلى جيل، وفي سبيل ذلك يقوم عقل الدولة بخلق الأذرع التنفيذية والتشريعية اللازمة للحفاظ على هذه الثقافة، مثل الوزارات، والمؤسسات العامة، ومؤسسات المجتمع المدني.
هنا تنتقل مسؤولية الحفاظ على ثقافة الدولة من عقل الدولة وراسمي سياساتها إلى الأذرع التنفيذية، التي يقع عليها مسؤولية الحفاظ على هذه الثقافة، و الارتقاءِ بها بما يواكب روح العصر، والتطور الحضاري الإنساني، ففي عصر الحريات الإنسانية المختلفة - على سبيل المثال - يكون من واجب هذه الأذرع الانفتاح أكثر على الحريات الفردية والجمعية، لا التضييق عليها، والرجوع بها إلى عصر الأحكام العرفية، وفي زمن سرقة تاريخ وتراث الدولة والأمة من قِبَل عدوها، يتوجب على الأذرع التنفيذية الوقوف بحزم أمام هذه السرقات إقليميًا ودوليًا، والتأكيد على أصالة وهوية هذا التاريخ والتراث الذي يتم سرقته.
هذا هو مناط عمل هذه الأذرع الذي من أجله أنشأها عقل الدولة، والتي عليها أن تمارس دورها بالارتكاز إلى الثقافة العامة للدولة، لا إلى ثقافة أفراد هذه الأذرع وأجنداتهم الشخصية، ولذلك وجب على كل من يتصدّى لإدارة وقيادة هذه الوزارات والمؤسسات العامة والأهلية أن يكون على قدر عالٍ من المسؤولية والمعرفة الكافية واللازمة لضمان استقرار ثقافة الدولة، وعدم العبث بها قصدًا أو من دون قصد.
فالمسؤول الذي يتولى هذا الدور - أيًا كان مسماه الوظيفي - ، لا تنفعه الكلمات المنمّقة والخطابات الرنانة، ولا تشفع له رعايات الاحتفالات والفعاليات المختلفة، ما لم ينتبه للدور المناط به فعلًا، وما لم يقم بالتشبيك الحقيقي على أرض الواقع بين أذرع الدولة الرسمية ببعضها من جهة، وبينها وبين المؤسسات الأهلية والتطوعية من جهةٍ أخرى، وكلٌ على حسب موقعه ودوره.
ثقافة الدولة ليست ترفًا، ولا مجرد زينةٍ ظاهرة، وليست بالتأكيد متعةً أو تسليةً، ولا يجدي معها بعض الحفلات هنا أو هناك، حتى ولو امتلأت المدرجات والساحات بالناس، لأنّ هذه الوسيلة في الإلهاء مؤقتة، فمطفأة الحريق تطفئ نارًا اشتعلت في سيارة، لكنها لن تقوى أبدا على إطفاء نارٍ اشتعلت في غابة.
على الأذرع التنفيذية أن تعي جيدًا سياسات عقل الدولة، وأن تفهم رسالته بوضوح، وأن تعمل بمقتضاها، بمؤسسة عالية، فنحن بأمس الحاجة إلى الحفاظ على ثقافة الدولة الثابتة، لا على ثقافة الأذرع التنفيذية التي باتت ترتكز على ثقافة شخوصها وتتغير بتغيرهم.
أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
12-08-2023 04:08 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |