حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,27 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 5333

بين المواطنة والمسؤوليّة

بين المواطنة والمسؤوليّة

بين المواطنة والمسؤوليّة

17-08-2023 03:04 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : السفير قيس شقير
متى يكون المسؤول مواطنًا والمواطن مسؤولًا؟ سؤالٌ يتردّد كلّما تصدّى مسؤولٌ للدفاع عن تشريعٍ لا يحظى بشعبيةٍ. وغالبًا ما يكون المقصد من وراء السؤال البحث في خلفيات القرار ومراميه. فقد رسخت عند العامّة ثقافةٌ مجتمعيةٌ تُروّج لهوّةٍ بينها وبين المسؤول، فهي لا تفترض -عمومًا- اهتمامًا من مسؤولٍ بشكوى مواطنٍ، أو انتظامًا في عمل مؤسسته، فهذا نهجٌ يناقض نظرة العامّة إلى التعامل مع البيروقراطية الحكومية، وما استقرّ في العقل المجتمعي من أنّ الأصل هو المعاناة قبل الوصول إلى المسؤول الذي لابدّ وأن يجلس في برجٍ عاجيٍ في صورةٍ نمطيةٍ رسمها له خيال معظم من يحمل معاملةً إلى دائرةٍ رسميةٍ.


ورغم أن النقد ثقافةٌ شائعةٌ في المجتمعات المتقدمة، فإن المشهد محليًا يختلف نسبيًا باختلاف الثقافة المجتمعية، وبما بتنا نصنّفه بخصوصية مجتمعنا. وفي ظل الخصوصية تلك، شاع أن يدافع مسؤولٌٌ عن قانونٍ جديدٍ قيد الإقرار أو التعديلٍ، أو عن إجراءٍ يمسّ الواقع المعاش، فيأخذ بعضهم عليه حماسةً في تسويغ إقرار ما استجد، وما عُدّل من قوانينٍ ونظمٍ دون شرحٍ مسبقٍ، ومسهبٍ لحيثياتها ومسوّغات إقراراها، فبدا لهم أنّ دور المسؤول ومهامه تنحصر في تمريرها وحسب، وهو ما يرون فيه إغفالًا لواقع المواطن الذي كان المسؤول جزءًا منه قبل تسلّم منصبه، وافتراضًا منه بأنه أدرى منهم بالمصلحة العامة، رغم تشارك المصلحة العامة من الطرفين.


وقد تستدعي -بالفعل- معطياتٌ بعينها تعاملًا حذرًا، وفي دائرةٍ ضيقةٍ تفرضها مصلحةٌ عامةٌ، ولكنّها تظلّ استثناءً لا يلغي قاعدة مطالبة الرأي العام بمصارحةٍ وشفافيةٍ في التعاطي مع ما يهمّ شؤونه، ليشعر بما تفرضه عليه الشفافية تلك، والحرص على المصلحة العامة من مسؤوليةٍ يتقاسمها الطرفان؛ المواطن والمسؤول.


والهوّة المفترضة تلك تبدو مصطنعةً، فمن أين أتى المسؤول؟ ألم يأت من رحم مجتمعه؟ ولم الافتراض بأن مظاهر المنصب وكرسيّه ستأخذ المسؤول -بالضرورة- بعيدًا عن مجتمعه؟ وهل كرّسنا نحن بثقافتنا المجتمعية تصوّرا بأنّ المسؤول لا بدّ وأن يحيط نفسه بهالةٍ غدت من ضرورات المنصب العام، ليدخل طبقة المسؤولين بفكرٍ لا يتسق -بالأغلب الأعمّ- ورأي العامّة في بعض، أو جلّ ما يُعرض من قضايا تهمّ المجتمع كلّه؟


إن الهوّة تلك -إن سلّمنا بها- لا يمكن تخطّيها بقرارٍ حكوميٍ، ولا بإجراءٍ بيروقراطيٍ، ولا باجتهادٍ فرديٍ، بل بثقافةٍ تستوجب تطورًّا على أرض الواقع تقتضيه رغبتنا ببناء مجتمعٍ متماسكٍ أرضيته صلبةٌ تقوم على فكرٍ مستنيرٍ، ونظامٍ تعليميٍ يُخرّج كفاءاتٍ تُبدع، لا تملأ شواغر فحسب، وثقافةٍ تدفع بنا نحو حوارٍ يعترف بالآخر، ويحترم اختلافنا معه، ليغدو الاختلاف تنوّعًا يُثري حوارنا ويقودنا إلى ما نرجو من أهداف.


وفي هذا السياق، فإن العلاقة الإيجابية بين المواطن والمسؤول تستقيم في مجتمعٍ منفتحٍ على الحوار، وعلى سويّةٍ مرتفعةٍ من تعليمٍ وثقافةٍ نملك أرضيةً صلبةً لها في حضارتنا العربية الإسلامية التي ننهل منها مسلمين ومسيحيّين، ونتشاركها في وطنٍ نتقاسم محبة ترابه ولقمة العيش فيه أخوةً، لا يُبدّل فينا تبوّء المنصب إرثنا الثقافي المجتمعي الذي درجنا عليه خلال المئوية الأولى من عمر الدولة، بما قدّمه من شخصياتٍ وطنيةٍ مثّلت أنموذجًا للمسؤول الكفؤ، نظيف اليد، المتفاني في خدمة مواطنيه بحكم قربه منهم، وتلمّس حاجاتهم، إذ لم يبعده المنصب عنهم، فما بعدوا هم عنه، ولا أحسّوا أن ثمة فجوةً تفصلهم عنه.


فما أحوجنا لردةٍ إلى الماضي ببساطته، نستلهم من إنجازات روّاده بناةِ الأردنِّ الأوائل، ومن قاماته الوطنية فكرهم المتشبّث بالجذور، والتزامهم بقضايا الوطن، وحرصهم على رفعته، بأداء الواجب على أكمل وجهٍ، بما يُرضي الضمير، ويستوجب محبة الناس وتقديرهم، والذاكرة تحفل بأسماءٍ تُعدُّ ولا تُنسى.








طباعة
  • المشاهدات: 5333
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-08-2023 03:04 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم