21-08-2023 10:34 AM
بقلم : محمد يونس العبادي
النخبة، أو «الأنتلجنسيا»، والمفهوم الأخير ابتدعه علماء اجتماع فرنسيون.. هي الطبقة المثقفة التي لطالما كانت محل وصف الفلاسفة والمؤرخين بأنها تعبر عن جوهرة الشعوب، أيّ الطبقة التي تبذل لأجل الوطن، فلاهي تملك الموارد كافة، ولا هي بالأسفل بحيث تتبدل قيمها، أو ترهن بحسب المناخ السياسي، أو الاقتصادي وغيره.
واليوم، ونحن في خضم مناخات الإصلاح السياسي، فإننا أحوج ما نكون إلى هذه الطبقة الحقيقية التي تدرك الوطن، والبلد، بمفاهيمه، دون انحيازٍ إلا لتاريخه، وحاضره ومستقبله، وبوعي لصيق بالناس وتطلعاتهم.
والنخبة، بالأصل كلمة استخدمت في القرن السابع عشر لوصف سلع ذات تفوقٍ معين، وامتد استعمالها في ما بعد ليشمل الإشارة إلى فئاتٍ اجتماعيةٍ متفوقة، فكرياً وسياسياً واجتماعياً.. ليصبح هذا المفهوم لاحقاً رائجاً وبشكلٍ كبيرٍ خاصة في مجتمعاتنا العربية.
ويرى مفكر سياسي يدعى جاتينو موسكا، بأنّ على النخبة أن تكون على اتصال حميم بالمجتمع عبر نخب وفئات فرعية لتضمن شموليته في التعبير عنهم، ويحفل تاريخ علم الاجتماع بالعديد من الفرضيات التي تتحدث عن النخب، وأدوارها، ومدارسها، ودورها في قيادة وتنوير المجتمع، والمحافظة عليه من أيّ اختلالات من الممكن أنّ تفرز أفكاراً متطرفة، وعادةً ما تكون هذه النخب من أصحاب التعليم والثقافة، وحتى الدخل الأعلى والأثرياء.
غير أنّ الديمقراطية، والحزبية، منحت فرصاً لتصعيد وإنتاج نخبٍ جديدة، وهذا ما نراه في المجتمعات الغربية، التي ترسخت لديها الحياة الحزبية، وثقافة تداول السلطة بناءً على صندوق الانتخاب، وما يريده الناس.
إنّ مناسبة الحديث عن النخبة، هو أننا اليوم في الأردن، وأمام حالة الحراك التشريعي والإصلاحي، والسياسي، بحاجةٍ إلى وقفةٍ، نتحدث فيها عن بعض النخب التي آن لها أنّ تفسح لغيرها، فإنتاج وجوه جديدة وحقيقية تعبر عن الناس، هو واحد من أدوار منتظرة، ويتعطش لها كل مجتمع حيوي قادر على التحرك والفرز الحقيقي.
خاصة وأننا اليوم، في صُلب تغير مجتمعي، ما يطرح سؤال النخبة، ومقدرتها على تجديد ذاتها بتوليد وجوه تحافظ على حيوية المجتمع، ومقدرته على استشراف القادم.
فالنخبة الحقيقية تعتبر من أعمدة المجتمع، وترتبط بالغالب بعناوين ومشاريع، تكون قد نادت بها ولها، وعملت لأجلها، ولكن مع مفارقةٍ بسيطةٍ هي أن على بعض النخب أن تغادر الساحة، بحكم طبيعة الأشياء لتتيح المجال لجيل آخر أو لوجوه جديدة بتسلم المهمة، وتكون مرتبطة بعنوان المرحلة ورؤيتها.
ولكن الاشكالية أحيانا، هي هوّس البعض بالوجاهة، والتشبث بالبقاء دونما اي دور، ما خلق حالة غير صحية، فالبعض يريد البقاء بالساحة بل ويتمدد بالعرض، أي دون فائدة أو دور، ما خلق حالة من الزحام، لربما انعكاساتها ما نراه بجاهات الأعراس، والشاشات والمقالات حيث يتنقل البعض من اختصاص لآخر بسهولة، قافزا عن هويته، وغير مرتبط بهموم المجتمع، وهذا بحد ذاته معضلة.
بل ان البعض من النخب انتجته مراحل سابقة، وهي نخب لا تريد اليوم أن تفسح المجال لغيرها.. حتى بات البعض عبئا على العمل العام، خاصة تلك النخب التي تعيد إنتاج نفسها في كل مرةٍ بأدوات وأشكال جديدة، دون حساب وزنها وتأثيرها الحقيقي، وحتى فائدتها.
فالحاجة دوماً لنخب حقيقية، ولربما ستمثل الأحزاب الصاعدة أو الحالة التي أسست لها مشاريع التحديث السياسي طريقاً يعيد تشكيل حتى طرية تفكيرنا الجمعي، بالمقدرة على «تخليق» قياداتٍ جديدة، خاصة وأن لدينا في الأردن نماذج كثيرة لـ «نخبٍ محترمة» استطاعت أنّ تكون ريادية بالعمل العام، وخدمة الناس، والدولة وقيادتها، ورؤاها.
إن النخبة حاجة في كل المجتمعات، وهي ليست حالة ترف، وتكشف معادن الرجال بلغتنا الأردنية الدارجة، ويجب أن تعبر عن إيمانٍ عميق بهذا الوطن، بتاريخه، وحاضره، ومستقبله.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-08-2023 10:34 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |