23-08-2023 08:39 AM
بقلم : د. صلاح جرّار
ثمّة ما يُفْرِح القلْبَ ويشرحُ الصدر في ما يشهده فصل الصيف- على شدّة حرّه وقسوة وطأته على الناس- من أنشطة متنوّعة في مجالات شتّى، ولا سيّما في مجال الثقافة، والمنخرطون في العمل الثقافي والمتابعون له يدركون ذلك تمام الإدراك، فمن النادر أن يمرّ يوم دون أن تكون هنالك ندوة أدبية أو أمسية شعرية أو قصصية أو جلسة ثقافية أو إشهار كتاب أو عقد مؤتمر أو إقامة ندوة أو إطلاق مهرجان أو غير ذلك ممّا لا يُحصى عدداً، ولا شكّ في أنّ هنالك عوامل كثيرة تساعد على هذه النشاطات منها أن الصيف أقلّ إعاقة لحضور مثل هذه الفعاليات من الشتاء، ومنها تعطيل المدارس والجامعات صيفاً، وعودة كثير من أبنائنا المغتربين في الخارج وأكثرهم من أهل الكفايات العلمية والأدبيّة والثقافية، فضلاً عن طول ساعات النهار وقصر ساعات الليل، بالإضافة إلى كثرة المؤسسات والهيئات الثقافية في المملكة.
ويتفاوت عدد الحضور لهذه الفعاليات حسب نوع الفعاليّة وموعد إقامتها ومستوى المشاركين فيها، بالإضافة إلى المكان الذي يعقد فيه النشاط إن كان سهل الوصول إليه أو صعب الوصول إليه، ولذلك نجد في بعض هذه النشاطات حضوراً كبيراً ولافتاً وحاشداً، ولا نجد في بعضها الآخر أكثر من عدد أصابع اليدين من الحضور، وقد يحدث أن يقام نشاطان في وقت واحد ممّا يشتّت الحضور بينهما أو يستقطب أحدهما حضور النشاط الآخر.
ومهما يكن من أمر فإنّ الحقيقة الثابتة التي تبعث على السرور والرضا أنّ هنالك إقبالاً متزايداً على الأنشطة الثقافية، من قطاعات المجتمع كافة من الشباب والكبار والنساء والأطفال، ولم تكن حمّى الانهماك في استخدام أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة لتصرفهم عن متابعة تلك الأنشطة الثقافية وحضورها والمشاركة فيها والاستفادة منها، والاستمتاع بها أيضاً.
كما لم تكن محدوديّة الميزانيّات وضعف الموارد المالية للمؤسّسات الثقافية الرسميّة وغير الرسميّة لتحدّ من هذه الأنشطة أو تقلّص منها أو من عددها، فكثير من المؤسّسات والهيئات الثقافية تعتمد على التمويل الذاتي وتمضي في حماستها وتطوير أنشطتها أو تحاول أن تجد ممّولين أو رعاةً من أصحاب الشركات الكبرى.
إنّ هذه الظاهرة الإيجابية التي يتّسم بها المجتمع الأردني تستحق الالتفات إليها والاهتمام بها وتوجيهها توجيهاً يخدم المجتمع، وذلك من خلال تشجيع هذه الأنشطة ورعايتها وتقديم الدعم الممكن لها، ومن خلال حثّها على أن تكون لكلّ منها رسالة وهدف يصبّان في خدمة المجتمع وتطويره والحفاظ على تلاحمه وتماسكه ومنعته.
إنّ هذه الأنشطة الثقافية الصيفية تقدّم لنا فرصة نفيسة لاستثمارها في نشر رسالة الثقافة وتعزيز دورها في المجتمع والحفاظ على قيمه الإيجابية وهويّته الوطنية والقوميّة والتصدّي للآفات التي تهدّده سواءً أكانت آفات ماديّة أم فكريّة أم غيرها، كما أنّ هذه الأنشطة تمثّل فرصة لتشجيع الشباب ولاسيّما طلبة المدارس والجامعات للإقبال على منابع الثقافة والاستفادة منها.
وهذا يتطلّب بدوره أن تعنى الجهات التي تنهض بهذه الجهود الثقافية إلى الارتقاء بمستوى ما يقدّم في هذه الفعاليات بحيث تكون لها قيمتها وجدواها ومستواها الرفيع وجاذبيتها ورسالتها، وهذه مسؤولية تقع على عاتق المؤسّسات والهيئات الثقافية كافّة كما تقع على عاتق الحكومة من خلال حرصها على المواءمة بين هذه الأنشطة وبين الإستراتيجيات التربوية والثقافية والوطنية للدولة، ومن خلال حرصها على الارتقاء بالمحتوى والمستوى.
Salahjarrar@hotmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-08-2023 08:39 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |