26-08-2023 12:19 PM
بقلم : الدكتور فارس محمد العمارات
الجلوه هي عادة من العدات التي اعتاد عليها المجتمع وهي منظومة اجتماعية كاملة ، وهي متلازمة من أعرافهم وتقاليدهم، وتعني ترحيل أهل الجاني وخمسته (أي حتى الجد الخامس) من المنطقة التي يسكنها إلى منطقة بعيدة عن أهل المجني عليه. وذلك للمحافظة على أرواح وممتلكات أهل الجاني وعدم وقوع المشاكل وخاصةً في الساعات الأولى من وقوع الجريمة والتي تُسمى عند القبائل والعشائر "فورة الدم" ويتم ذلك من خلال تهدئة النفوس عند أهل المجني عليه ، وتعتبر الجلوة عقوبة عشائرية ضد الجاني وخمسته وخاصة أيام القبائل والعشائر قديماً مع جرائم القتل أو جرائم العرض ، الا انها عُدلت استناداً لقانون الجلوة العشائرية بحيث "لا تشمل الجلوة إلا الجاني وأبناءه ووالده فقط" .
وللجلوة جذور تاريخية قديمة ، وكان العبرة منها ان يكون أهل القتيل في مناى ومكان السلامة والاستقرار المؤقت ، حتى يكون هناك نوعاً من تقليل حجم ردة الفعل وثورة الدم لاهل المقتول ، وهي منظومة من القيم الاجتماعية التي تحقن الدماء ، وتوقف كل معتدي عن سلوكه الذي قام جراء خلافات ، أو اسباب قد لا يُعلم امرها الا من خلال التحقيق ، والاستجواب ، فضلاً عن انها نوعا من الردع الخاص للردع العام ، حتى لا يكون الفعل الذي يقوم بها القاتل او المُجرم فعل مقبول او فعل لا تأثير او ردة فعل له ، فالتاريخ يسرد تزوج كليب بن ربيعة جليلة بنت مرة وكان لها عشرة أخوة أصغرهم يدعى "جساساً"، وجاءت البسوس فنزلت في جوارهم وكان لها ناقة يقال لها سراب فمرت إبل لكليب بسراب وهي معقولة بفناء بيت البسوس، فنزعت الناقة عقالها واختلطت بإبل كليب الذي كان على حوض الماء ومعه قوسه وسهامه فلما رآها أنكرها ونزع سهماً رماها به فمزق ضرعها فنفرت وهي ترغو وقد اختلط لبنها بدمها فلما رأتها البسوس صاحت: واذلاه!!..وامجيراه!! وثارت ثائرة جساس فأسرع إلى فرس له فركبها وحمل معه سلاحه وتبعه أحد فتيان قومه وانطلق الفتيان ثائرين حتى دخلا على كليب فقال له جساس: يا أبا المحامد عمدت إلى ناقة جارتي فعقرتها فقال كليب: أكنت مانعي من أن أذود عن حماي! فاشتد الغضب بجساس وعطف عليه فرسه وطعنه برمحه وأقبل عمرو فطعنه أخرى وسقط كليب.
ووقعت جليلة بنت مرة بين شقي الرحى، فلقد قتل أخوها جساس زوجها كليب بن ربيعة، وفي مأتم كليب اجتمع عدد من النسوة قلن لأخت كليب: رحّلي الجليلة - أي اطرديها - عن مأتمك، فإن قيامها فيه شماتة وعار علينا عند العرب، فقالت لها أخت كليب: يا هذه، أخرجي عن مأتمنا، فأنت أخت واتِرنا "الواتر – القاتل"، فخرجت جليلة وهي تجر أعطافها، ولما رحلت جليلة قالت أخت كليب: رحلة المعتدي، وفراق الشامت! ويل غدًا لآل مرة، من الكرة بعد الكرة، فبلغ قولها جليلة، فقالت: وكيف تشمت الحُرَّة بهتك سترها وترقُّب وَتْرها! أسعد الله جد أختي، أفلا قالت: نفرة الحياء، وخوف الاعتداء! ثم أنشأت تقول:
يا ابنة الأقوام إن لمت فلا تعجلي باللوم حتى تسألي
فإن أنت تبينت الذي يوجب اللوم فلومي واعذلي
إن تكن أخت امرئ ليمت على شفق منها عليه فافعلي
جل عندي فعل جساس فيا حسرتي عما انجلت أو تنجلي
فعل جساس على وجدي به قاطع ظهري ومدنٍ أجلي
لو بعين فقئت عيني سوى اختها فأنفقأت لم أحفلِ
تحمل العين قذى العين كما تحمل الأم أذى ما تفتلي
يا قتيلاً قوض الدهر به سقف بيتي جميعاً من عل
فـأنـا قـاتـلةٌ مـقـتولةٌ ولعل الله أن ينظر لي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-08-2023 12:19 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |