27-08-2023 08:10 AM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
استطاعت البشرية تطوير وسائل التواصل عبر العصور المختلفة، فكانت وما زالت اللغة أهمها على الإطلاق، وبمرور الزمن اندثرت بعض اللغات وحلّ محلها لغات جديدة اخترعها البشر كانت أكثر قدرةً على البقاء من غيرها، وبعضها توهّج واحتل مكانة عالمية عالية بسبب صعود شعوبها الحضاري إلى أوج مكانتها العلمية والعسكرية.
في الزمن الحاضر تطفو اللغة الإنجليزية القادمة من تمازج اللغات الألمانية والهولندية المنبثقة أصلا عن اللاتينية على ما سواها، وقد ساهم توسع الإمبراطورية البريطانية التي لم تغب عنها الشمس يوما ما، إلى وصولها إلى قمة هرم اللغات الحالية باعتبارها لغة التواصل البشري العلمية والاقتصادية وحتى الاجتماعية.
في زمان سبق، كانت العربية هي سيدة اللغات، وما يزال أثرها واضحا إلى اليوم في الفارسية والاوردية وحتى التركية رغم تحولها في الكتابة من الأحرف العربية إلى اللاتينية، ولكن تراجع الدور الحضاري أدى إلى تراجع العربية على المستوى العالمي.
هذا التراجع شمل في ما شمل أداء العربية لدى الناطقين بها، وحلّت اللهجات المحلية لسهولتها وابتعادها عن القواعد الصارمة الضابطة للغة، فظلّت اللغة حبيسة الغرفة الصفية في حصص العربية ولم تستطع تجاوزها إلّا بنسبة قليلة جدا لدى محبيها ومتخصصيها، أو لقارئي القرآن الكريم من أصحاب الأصوات الجميلة.
نتيجةً لهذا التراجع، وبقاء اللغة حبيسة الغرفة الصفية من دون أن تتجاوزها، بدأت الأجيال تفقد صلتها بهذه اللغة، فانعكس ذلك على أصحاب التخصص من حملة البكالوريوس وصولا حتى إلى أصحاب الشهادات العليا بعد أن تم فصل النحو عن الأدب، فأصبح معلم المادة لا يملك إلا القليل من علوم اللغة، ويكاد كثير منهم يخطئ حتى في الأساسيات، مثل إسم إنّ وخبرها، أو الفرق في الكتابة بين الضاد والظاء لدرجة طغيان الأخير على معظم الكلمات حتى عند أصحاب التخصص.
ضياع اللغة مؤشر خطير على ضياع الهوية المحلية وحتى القومية بمفهومها العروبي، والاعتزاز باللغة دليل على الاعتزاز بثقافة أمة تزعم أنها حيّة وتتمنى أن تخرج كالعنقاء من رمادها.
في موسكو كل الاسماء بالروسية ويكاد يندر أن تقرأ حرفا إنجليزيا هناك، ولعلنا بحاجة إلى حركة تعريب حقيقية في التعليم الجامعي وفي اليافطات التي تحمل اسماء المحلات، وتفعيل وتطوير التشريع القانوني الخاص باللغة العربية، لوقف التدهور الكبير في المشروع الحضاري العربي (إن جازت التسمية)، لأنّ اللغة هي الوعاء الأول لكل مشروع، ابتداءً بالإنسان، مرورا بالعلوم والحضارة، وليس انتهاءً بالهوية المحلية والعروبية وحتى الإنسانية.
أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-08-2023 08:10 AM
سرايا |
2 - |
نشكر لك هذه الإطلالة اللطيفة على واقع اللغة العربية
لن تنهض اللغة لسابق عهدها حتى تصير قضية أمن قومي وأنى لنا هذا دمت بكل خير |
27-08-2023 05:32 PM
محمد محمود محاسنة التبليغ عن إساءة |