04-09-2023 05:59 PM
بقلم : د.نشأت العزب
أن العالم الذي نعيش اليوم أصبح وسطاً يسهم و بشكل مباشر في إبعاد الإنسان عن ذاته الحقيقة و يجعله مفرغاً من كل ما هو إنساني و بالتالي أصبحت المفاهيم لدى الإنسان الحداثي مشوهه و بعيدة كل البعد عن ما يقارب من تحقيق الإنسان لذاته و التعرف عليها و بالتالي أصبحنا في كل يوم نبتعد عن طريق الإنسانية السليمة و نقترب من صراع عالمي لا يمكن لشيء التنبؤ بنتائجه و كل ذلك بسبب تراكم نتائج سلوك الإنسان الحداثي الكارثية الناتجه عن فهمه المشوه لأبسط المفاهيم و منها و ربما أهمها مفهوم المُلكية.
لا يزال الإنسان سعيداً حتى يبدأ بالتفكير بالتملك ، فيبدأ حينها رحلة شقاء لا نهاية لها ، فالتملك هو رغبة جزء النفس في الكيان البشري لإظهار ذاته، و رغبات هذا الكيان هو بئر لا قعر له ، في اللحظة التي يقرر فيها الإنسان السير نحو التملك فهو بذلك و من دون وعي منه يبدأ بالإبتعاد عن طريق الإنسانية السليمة و يقترب بعلاقة طردية مع رغبتة بالتملك من الإنسان الذي يؤمن بالسعر و بغض النظر عن وجود أو عدم وجود القيمة، فقد ولد الإنسان حراً، هدفه الوجودي هو إستكشاف ذاته التي هي مرآة تعكس الكون، و بالتالي تحسين جودة حياة الأفراد و المجتمعات، فقد بنيت علاقات الناس و الشعوب سابقاً على العطاء و الاخذ ، أن تعطي ما لا تحتاج لتأخذ ما تحتاج و إستمر الإنسان قروناً طويلة على هذا النهج ، معتبراً الحاجة و سيلة فقط لإستكشاف هذا العالم الأكثر من رائع و المساهمه في تطويره دون التفكير في تملكه و الإستحواذ عليه، فعند النظر لصراعات الأفراد و الشعوب لوجدنا أن البؤرة التي تنشأ منها تلك الصراعات هي التملك و تعميم ذلك و اليوم و في العالم الحديث الذي نعيش و بوجود وسائل التواصل الإجتماعي التي فقدت هي أيضاً قيمتها الحقيقية بتحولها إلى وسط يتنافس فيه الناس على التملك كجوهر لسلوكهم و ينعكس ذلك على مجتمعاتهم بفقدان القيمة لأن الغاية أصبحت إظهار الأنا التي تريد أن تملك بدل من "نحن" القيمة التي تريد أن نتحد، فالميزان الذي أصبح يقاس به الفرد هو بما يملك، فلذلك أصبحت العلاقة طردية بين سرعة التطور التكنولوجي و سرعة إنحدار جودة الإنسان الذي نراه اليوم ، فهل هذا هو الإنسان الذي يمكنه الإسهام في تطور و بناء أي حضارة سلمية لمستقبل صحي و آمن .
أن حقيقة ما تملك هو ما يتبقى لديك بعد ان تفقد كل شيء، هي عندما يتحرر الإنسان من قيود المُلكية، لا شيء يقيد الحرية كالمُلكية.
عندما تستطيع أن تتخيل نفسك المجردة من كل إنتماء و مُلكية و تبعية، عندها يتلاشى مفهوم الزمان و المكان، في هذا العالم ستعرف حقيقة نفسك بعد أن تجردها من كل ما يزينها و يوهمك بأنها أنت.
أنت الحقيقي أعظم من وهم المُلكية، الذي وجوده و عدمه ليس بيدك في الحقيقة ! أنت تظن أنك حر بذلك ! و السر بهذا الشعور هو مقارنتك لنفسك بمن هم اقل منك ملكية و بالتالي الشعور بالحرية، لكن و على هذا الأساس يكون الإنسان عبداً لمن هم أكثر منه مُلكية، فأين المنطق في ذلك!
إن هذه الحقيقة مبنية على أساس من قصور بصيرة الإنسان لأنها لا تجعله يرى تلك القيود التي تسلبه حريته الحقيقية التي هو نفسه من أوجدها و قيد نفسه بها، فخدع الإنسان نفسه بظنه أن ما يقيد حريتة هي الإنظمة السياسية أو الإقتصادية لكن في الحقيقة أن السبب الذي سلبه حريته هو محدودية فهمه لكلمة حرية في عقله و ربطها بشكل مباشر بالمال و المُلكية الذين أبقوه أسير التفكير في تحقيقهما دون التفكير في تكلفة ذلك السلوك و بالتالي أصبح يدور في دائرة بيزنطية لا تزال تدفع به للأسفل مفرغة منه كل ما هو إنساني و حقيقي و ذو معنى.
المال الذي يملكه الإنسان ما هو في الحقيقة إلا حارس عليه ، حراسه مؤقته فكل ما تعتقد أنك تملكه فأن كالوصي عليه بشكل مؤقت، هو في نفس الآن يملكك و يقيدك، بلحظة واحدة و بسيناريو بسيط يمكن أن تفقده أو تنتقل ملكيته لغيرك، عندها ستجد نفسك كمن سقط من سفينه في وسط محيطٍ مليء بالعواصف و الأعاصير التي هي نتيجه لسبب أوجده الانسان لنفسه بتفكيره و سلوكه.
ما قيمة العملات عندما تصبحت قيمتها صفر! ما قيمة التكنولوجيا اذا حدث خلل في مجالنا الكهرومغناطيسي ، ما قيمة المدن الفاخرة اذا لم يتوفر فيها الغذاء ! ما معنى الحياة اذا أصبح الحب سلعة و أقصد بالحب هنا بمفهومة الشامل.
للكون قوانين ، فيها يسمو الإنسان بقيمته ، و قيمة الانسان هي ما يعتبره اثمن شيء عنده، كل ما يمكن أن يُسلب منك هو ليس أنت، أنت هو ذلك الكون على شكل إنسان، انت أهم و اعظم من كل ما يحيط بك من ظروف و شروط، ما يجب أن يجمع الناس هو نقطة مجردة من أي شيء يمكن أن يمُلك، هي الروح الإنسانية, الإنسان السليم هو مجموعة من الأكوان وجدت في جسد ، هو تلك المعادلة التي تفسر كل شيء، تلك المعادلة التي بحث عنها اينشتاين طيلة عمره، هي الغاية الوجودية التي بتحقيقها فقد تنتقل الإنسانية إلى بعد أخر بدل من إدخال طاقات إلى بعدنا الذي نحن فيه، لا شك أن الكسب حق ، و الحياة الكريمة حق لكن مفهوم التملك يجعل من الانسان بشراً يجعل كل ما حوله من اشياء كفقاعات يملؤها الوهم.
ولد الانسان حراً و منح عقلاً فريداً ليستكشف هذا الكون الواسع و يسهم في تطوره تحت ظل شجرة الانسانية، يعي الانسان أن كل شيء مؤقت، فمن أقنع الإنسان بالتملك و الملكية الذي بالسعي لهما يفقدان الإنسان حريته.
azabnashatco@gmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
04-09-2023 05:59 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |