09-09-2023 10:42 AM
بقلم : المحامي أكرم الزعبي الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
يبدو مصطلح (صناعة الثقافة) الذي ابتدعه الفيلسوفان الألمانيان (أدورنو وهوركهايمر) في أربعينيات القرن الماضي، مصطلحًا جذابًا للمنشغلين والمشتغلين بالشأن الثقافي، فهو في ظاهره يعني الاهتمام بالصناعات الثقافية، مثل السينما والمتاحف والحرف اليدوية وغيرها، ولكن مع التطور البشري الكبير، فقد تطور مفهوم صناعة الثقافة ليشمل الإعلانات البصرية ووسائل التواصل الاجتماعي والبرمجيات والذكاء الاصطناعي، حتى مفهوم (المحتوى) بات يدخل تحت باب (صناعة الثقافة).
الثقافة إذن، لم تعد تقتصر على القيم الأخلاقية والاجتماعية والتاريخية والإبداع الأدبي والفني فقط، بل أصبحت الدول الأكثر تحضّرًا، تعتبرها (صناعةً) بالمفهوم التجاري والاقتصادي، والذي يعود عليها بمليارات الدولارات سنويًا، حتى صارت مصدرًا مضافًا من مصادر الدخل القومي.
للإشارة بشكل سريع على صناعة الثقافة، يكفي أن ننظر إلى الألعاب الالكترونية التي يمارسها أبناؤنا على أجهزة الهواتف، وإلى التسوّق الالكتروني العالمي عبر شركات مثل علي بابا وشين وأمازون وغيرها، عدا عن المنصات العالمية مثل نتفليكس وواتس آب وفيس بوك، وإلى ثقافة الطعام اليومية في مطابخنا مثل (الأندومي، السوشي، اللازانيا، الفوتشيني)، والأمثلة اليومية لا حصر لها.
صناعة الثقافة والترويج لها مهمة ليست يسيرة، ولا هي بذلك التسطيح والتبسيط الذي يظنه البعض، فهي تحتاج أولا إلى أن تعرف ما لديك من منتج (بضاعة) تسعى إلى تسويقه إقليميا وعالميا، وتحتاج ثانيًا إلى مختصين في الشأن الثقافي والشأن الاقتصادي وإلى خبراء في التسويق والترويج، وتحتاج قبل كل ذلك إلى إرادة حكومية جادّة في التأسيس لهذه الصناعة، والنظر إليها باعتبارها مصدرا مهمًا من مصادر الدخل القومي.
كنّا نتغنّى قبل سنوات بأنّ أهم مصادرنا هي المصادر البشرية المثقفة والمتعلّمة، لكننا وقفنا عند حدود هذا التغنّي ولم نعمل على تطوير العنصر البشري، أو ضبط سرعته مع سرعة العالم، فوقفنا في منتصف الطريق ننظر بذهول إلى من حولنا، وإلى الدول التي كنّا نصدّر لها معرفتنا وثقافتنا البشرية، فسبقتنا في مضمار التحوّل العالمي بجهود أبنائها الذين تعلّموا على أيدي أبنائنا.
لكي تكون لدينا صناعة ثقافية حقيقية ننطلق بها نحو العالم، وجب الاهتمام بالثقافة الفردية، والعمل على تنميتها وتطويرها لتصبح أداةً خلّاقةً في الوعي والتفكير والإبداع، وذلك يقتضي تحرير الفرد من قيود التفكير اليومي بتوافه الأشياء والأمور إلى فضاءات الإبداع الإنساني، ولعل تجربة استماع لبعض الإذاعات المحلية في الفترة الممتدة ما بين الساعة التاسعة صباحًا وحتى الخامسة مساءً من كل يوم، تعطي انطباعًا خطيرًا عن حجم المحتوى الذي تقدمه هذه الإذاعات، ما بين أسئلة فقهية شائعة وعادية جدا لا تحتاج خبيرًا ولا متخصصًا، إلى شكاوى من أوضاع مالية تصل إلى درجة التسوّل العلني، مرورًا بمحتوى هابط من الأغاني السريعة عديمة اللحن والكلمات.
هذا الهبوط الخطير (في المحتوى، كمثال) من دون وجود برامج جادّة تقدّم ثقافة حقيقية، مؤشر على أنّ صناعة الثقافة ما تزال في طور صناعة (عود الكبريت)، في الوقت الذي يصنع فيه العالم (صواريخ موجّهة بالليزر)، فلعلنا ننتبه.
أكرم الزعبي
رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-09-2023 10:42 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |