09-09-2023 11:25 AM
بقلم : الدكتور فارس محمد العمارات
ظهرت صفحات التواصل الاجتماعي المتعددة الأنواع والأشكال كمُنجز حضاري هدفه خدمة البشرية، أفرزته العقول العملاقة المبدعة عبر التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصال. وهي مجموعة المواقع الإلكترونية المتاحة على الشبكة العنكبوتية، والتي يستعملها الناس لغايات التواصل والتفاعل. ورغم أنها حققت أغراض التواصل السريع وغير المكلف بين الأصدقاء، وردمت القطيعة بين أفراد الأسرة الا انها سببت فجوة في العلاقات واختزلت المسافات بين الشعوب، ومن ناحية أخرى أثّرت على العديد من المجالات الحياتية بشكل سلبي، بحيث اصبح مواقع التواصل الاجتماعي تسلب كل في الدهشة لرؤية أشياء جديدة وجميلة، حتى أصبح كل ما نراه عاديا جداً.
وبات الذي لم يكن مُتاحا لمشاهدته وكان يعني الكثير يوميا، لكن بطريقة وهمية تنمي في الاعماق ألف رغبة جامحة.
واصبح كل شيء مكررا ومستهلكاً فمن كل نسخ للصورة أو المنشور هناك ملايين النسخ غيّبت مفاهيم المتعة البسيطة، واصبح البعض جثث ملولة، وكان المجتمع بلغ قمة التقدم والرقي ولم يبق على اللوحة إلا مشهد المثالية الكاذبة. يا لها من صدمة من الأشياء المخُيفة القاسية، فلم يعد من يهتم لجريمة قتل نشرت أحداثها، ولا أن تقشعر أجسامنا لمحاولة انتحار أو حادث افتراس. وصار من الطبيعي جداً أن نشاهد مقطع فيديو لجريمة أو فعل يخالف القيم فيما نستمتع بوجبة طعام شهية، كيف لا وهو النافذة المفتوحة أمام كل الثقافات والتي من ضمنها ما يتعلق بترويج قيم الفساد ونشر الجريمة والتطرف وتعزيز الخبرات والتجارب الإجرامية التي تشجع على كل ما هو مخالف للاخلاق وللقيم والاعراف .
الا إن البيوت فقدت خصوصيتها وأسرارها، حتى صارت معظم البيوت من قوانينها أن لا تمتد يد إلى الطعام قبل اِلتقاط صورة للفيس بوك، وهناك أطباق تصنع لتصور في الإنستغرام فقط، وهناك ثياب تشترى لحصاد الاعجابات لعناوين هزيله وتعليقات بائسة ، أو لاعياد لا تمت للقيم بصلة ، وهناك خلافات زوجية تناقش على الملأ ويتم نشر غسيلهم لكل عدو وصديق، فتكبر الفجوة ويدب الخلاف بين كل منهما ليكون نهايته الطلاق والانفصال والمحاكم ،وقد يمتد إلى ارتكاب الجريمة، وصور مُخلة بالاداب يبدي رأيه فيها كل من هب ودب. الا ان المُختصين في علم الميديا والاجتماع لا يكنهون ما المراد إيصاله من شخص أراد النوم فكتب منشورا على صفحته "الأن سأنام" الحمد لله أنه سينام بعد ان نال من البعض ونال من البعض، فاليوم قد ينام طويلاً الا انه بعد ايام سينام في السجن جراء فعلته التي نال منها من البعض وتسبب في كثير من الاشكاليات والخلافات بين الافراد ،والاسرة والمجتمع. ولن يتمكن من ان يصور فنجان قهوته مرفقا بكتاب وعلى الاغلب أنه لن يفتحه، إذ من المحال أن تجتمع الثقافة والتفاهة في آن واحد.
اليوم يوم مساحات كبيرة من الحرية التي قد يتم تجاوزها ، وغداً امر بالسجن والغرامة ، وعندها ستصبح الحياة لها ناظم لا يمكن ان يتم اختراقها مهما كان ولاي كان في اي مكان في ظل تعديلات قانوينة للجرائم الالكترونية التي ستنظم كل ما يتعلق بالحياة اليومية ولا يمكن تجاوزها باي شكل من الاشكال .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-09-2023 11:25 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |