16-09-2023 02:38 PM
بقلم : السفير قيس شقير
بانعقاد قمة مجموعة 77+ الصين في هافانا اليوم السبت 16/9/2023، فإن الأشهر الأربعة الماضية شهدت عقد أربع قممٍ لتكتلاتٍ دوليةٍ بدأت بقمة مجموعة السبع في شهر أيار الماضي في مدينة هيروشيما، وقمة دول بريكس في جوهانسبيرغ الشهر الماضي، وقمة العشرين قبل نحو أسبوعٍ في نيودلهي.
والقاسم المشترك في القمم الأربعة أنها تنمويةٌ، اقتصاديةُ الطابع، إنسانيةُ الأبعاد. فمكافحة الفقر، والتنمية المستدامة، والحوكمة، والحفاظ على البيئة والمناخ، كلها موضوعاتٌ تصدرت أجندتها، وتبوأت صدارة بياناتها الختامية، فيما ترك الجتمعون لأقلام المحللين والمتابعين هوامش غطت مساحاتٍ واسعةً في وسائل الإعلام، ووسائط التواصل الاجتماعي لسبر غور الأبعاد السياسية لما تم نقاشه والاتفاق عليه مما أعلن، ولم يعلن في الاجتماعات الأربعة.
وعكس الصدى الإعلامي للقمم الأربعة أهمية موضوعات البحث، ومخرجات القمم والتي تبنّت مشروعاتٍ واعدةً عابرةً للقارات. ففي قمة مجموعة السبع تبلورت مشاريع تعاونٍ اقتصاديٍ بلغت ستمائة مليار دولارٍ. وفي جوهانسبيرغ، وضع القادة المجتمعون هدفًا يتجاوز تفرّد الدولار عملةً رئيسةً في التبادل التجاري الدولي بين دولها، والتي زادت بانضمام ثلاث دولٍ عربيةٍ، وثلاثٍ أخرى هي: الأرجنتين، وأثيوبيا، وإيران. وكان لقمة العشرين صدىً أكبر يعكس وزنها الذي يمثّل 85% من الاقتصاد الدولي، بما أعلنته - دون سابق تحضير- للمتابعين والمحللين- من مشروع ربط آسيا بأوروبا عبر دول الخليج العربي، والشرق الأوسط بممرٍ بريٍ يشمل طرقًا، وسككًا حديديةً، قد يغيّر كثيرًا من الوقائع الاقتصادية والسياسية في العالم، وفي منطقتنا على الأخص، والتي تشكّل قلبه.
وكانت الإضافة النوعية لقمة العشرين أنها ضمت إلى عضويتها الاتحاد الإفريقي، بما يعكس اهتمام الأقطاب الدولية بالقارة الإفريقية، والتنافس القائم على ثرواتها، والتغيّرات التي تشهدها حاليًا، والتي عكستها الانقلابات العسكرية التي شهدتها عدة دولٍ في القارة، كان آخرها في الغابون.
ولا يخرج اجتماع قمة هافانا عن سياق سابقيه، فهو يأتي في إطار نُذر إعادة تشكّل المشهد السياسي الدولي، وانتهاء أحادية القطبية، كما يبشّر عديدٌ من الأكاديميين والمحللين السياسيين في قراءتهم لتمدد النفوذ الصيني اقتصاديًا وسياسيًا على الصعيد الدولي، وسياسة الاحتواء الأمريكية لهذا التمدد، وإنشغال روسيا بحربٍ طويلة الأمد في أوكرانيا.
ويثير زحام القمم تلك، بأجندتها المعلنة، وغير المعلنة اقتصاديًا، وسياسيًا أسئلةً مشروعةً تبدأ بماهيّة المشهد السياسي الدولي الذي ننتظر. وهل يمهّد لاستمرار سيطرة الولايات المتحدة، والغرب عمومًا بما فيه الاتحاد الأوروبي على ذلك المشهد؟ وهل سيكون الممر الأورو-متوسطي حصان طروادة الذي يجتاز سور الصين العظيم الذي تمدد سياسيًا فوصل حدود التوسط بين المملكة العربية السعودية وإيران، ويسدّ الطريق أمام مبادرة الحزام والطريق الصينية؟ أم أن التكتلات الثلاث الأخرى ستجد آليات تعاونٍ فيما بينها تؤشّر لنظامٍ دوليٍ متعدد الأقطاب يستند إلى حقائق على الأرض لا يمكن تخطيها؟ فقطار التنمية والتصنيع والتكنولوجيا المتطورة في دول الجنوب، لا يمكن له أن يقف في محطةٍ تحدّدها دول الغرب، وإن توقّف، فلا يعني ذلك وقوفًا تامًا لا تتبعه انطلاقةٌ أشدُّ وأبلغ أثرًا.
ومن التساؤلات المشروعة على هامش القمم المنعقدة، أن الحكم على النوايا لا يمكن أن يكون قاطعًا. فمشروع الممر اليورو- آسيوي سيكون على طاولة البحث بعد نحو شهرين، ليضع خبراءٌ ملامحه العملية. وزادت التساؤلات عقب قمة العشرين حول التأثيرات المتوقعة للمشروع سلبًا وايجابًا على طرق النقل الدولي، وعلى دولٍ بعينها في المنطقة، وعلى إمكانية انخراط إسرائيل في المشروع، والإفادة منه. وهل يمكن فعلًا تخطّي الدولار في التبادلات التجارية والتعاملات المالية الدولية؟ أم إن ذلك يستوجب وقتًا، ويقتضي تجاوز مراحل زمنيةٍ محددةٍ؟
وتتراكم الأسئلة، فهل سبق لمشاريع التنمية الاقتصادية، وفي منطقتنا تحديدًا، أن آتت أكلها دون حل الصراعات السياسية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟ وهل بالإمكان تجاوز أزماتٍ تعيشها عدة دولٍ في المنطقة تكابد سعيًا للحفاظ على وحدة أراضيها، وسيادتها، واستقرارها الاقتصادي والأمني؟ وهل تصدق نبوءات المبشرين بالرفاه الاقتصادي لتحقيق الاستقرار السياسي، وضمان الأمن والسلم اقليميًا ودوليًا؟
وإن كانت التنمية الاقتصادية هي السبيل لحل الصراعات السياسية، فلم تأخرنا عشرات السنين بحثًا عن شرعيةٍ دوليةٍ، وقوانين دوليةٍ لا تُطبق، وحقوق إنسانٍ تُحترم في مكانٍ، وتقضي نحبها في أمكنةٍ أخرى؟ وأين هي الأمم المتحدة من هذا كله؟ ومن قمم التكتلات تلك، ومشاريعها؟ وهل التشعّب القطبي هذا سيحل مشاكل عجز عن حلها منبرٌ دوليٌ واحدٌ متّحدٌ كالأمم المتحدة بمنظماتها المتعددة؟ وأين هو التطبيق العملي للغة التعاون الاقتصادي والبعد الإنساني في قضايا تعزيز التنمية في تقديم المساعدات الإغاثية لضحايا كوارث شهدتها دولٌ آخرها كارثة الفيضان في ليبيا، والتي تكشفت عن هولٍ تداعياتها الانسانية؟ ثمّ أيننا نحن من رؤى موازين القوى الدولية قيد التشكل؟ وما هي أجندتنا؟ وكيف لنا أن نعيد تموضعنا فيما تمّ بحثه في تلك التكتلات؟
لا بدّ من رؤيةٍ شموليةٍ تضع في الاعتبار موازين القوى الدولية التي بدأت نُذر تشكلها سواءً بقطبيةٍ متعددةٍ، أو بنظامٍ دوليٍ يسعى لاطالة أمد تفرّده على المسرح الدولي على جانبٍ، ومصالح دولنا، ومدى إفادتنا من التغيرات تلك، والسبيل المؤدية إليها، على الجانب الآخر.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
16-09-2023 02:38 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |