17-09-2023 09:33 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
من جملة التشريعات الوطنية ذات الصلة بالتحديث السياسي التي صدرت ولم يجر تنفيذه بعد، قانون الانتخاب الجديد لعام 2022 والذي يرتبط تطبيقه بإجراء الانتخابات النيابية. فمن مميزات هذا التشريع أنه قد حافظ على الإرث الانتخابي السابق المتمثل بتكريس فكرة القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، ودمجها بالقائمة الحزبية المغلقة على مستوى الدائرة الانتخابية العامة، والتي جرى تجربتها في عام 2013 في حدود (27) مقعدا نيابيا على مستوى الوطن.
إلا أن ما يميز القانون الجديد عن سابقاته أنه قد أخذ بفكرة العتبة «نسبة الحسم»، التي جرى تحديدها بالنسبة للمقاعد الوطنية الحزبية بواقع (2.5%) من مجموع عدد المقترعين في الدائرة الانتخابية العامة، حيث تحصل كل قائمة انتخابية تجاوزت هذه النسبة على مقاعد في الدائرة الانتخابية العامة بما يتناسب مع عدد الأصوات التي حصلت عليها من مجموع عدد أصوات القوائم التي تجاوزت نسبة الحسم.
إن الأحزاب السياسية تعي حقيقة هذا التطور التشريعي في مجال الانتخاب على مستوى الدائرة الانتخابية العامة، بالتالي ستسعى إلى العمل المشترك فيما بينها لإيصال أكبر عدد من ممثليها إلى المجلس النيابي القادم، بما يضمن لها تأثيرا ملحوظا على سير العملية البرلمانية.
وقد حدد قانون الأحزاب السياسية لعام 2022 آليات متعددة يمكن من خلالها للأحزاب أن تتشارك لخوض الانتخابات القادمة؛ والتي تشمل تشكيل ائتلافات سياسية أو تحالفات أو حتى الاندماج فيما بينها. وهذا ما سيضمن انخفاض آخر في عدد الأحزاب السياسية التي ستشارك في الاستحقاق الانتخابي القادم.
وضمن إطار الحديث عن الاستعدادات للانتخابات النيابية المقبلة، والتي ستكون مخرجاتها هي العامل الأساسي في الحكم على نجاح الإصلاح السياسي، فقد أقر مجلس الوزراء نظام تقسيم الدوائر الانتخابية لعام 2023 بما يتوافق مع قانون الانتخاب الجديد. فأصبحت عمان ثلاث دوائر انتخابية وإربد دائرتين فقط، في حين تحولت باقي المحافظات الأخرى إلى دائرة انتخابية واحدة، وذلك ضمن سياسة توسيع الدوائر الانتخابية التي تهدف إلى التقليل من الارتباط الجغرافي والمناطقي للمرشح مع ناخبيه.
واليوم يمكننا القول بأن جميع التشريعات ذات الصلة بالعملية الانتخابية المقبلة قد خرجت إلى حيز الوجود وأصبحت حقيقة تشريعية بانتظار مرحلة التطبيق الفعلي. وفي هذا السياق، يسجل للدولة الأردنية أنها قد انتهجت نهجا جديدا فيما يخص تطبيق الإصلاح السياسي، يتمثل في الإعلان شبه الرسمي والدستوري عن موعد الانتخابات النيابية القادمة، حيث أعلن جلالة الملك وفي أكثر من مناسبة أن الانتخابات ستجرى العام القادم.
فهذه التصريحات الملكية قد قطعت الشك باليقين حول مصير مجلس النواب الحالي وبالنتيجة الوضع الدستوري للحكومة. كما أن جلالة الملك بتصريحاته المتتالية حول موعد الانتخابات القادمة في العام المقبل، قد تنازل عن حقه الدستوري في التمديد لمجلس النواب القائم وفق أحكام المادة (68) من الدستور.
إن هذا النهج في إدارة الإصلاح السياسي هذه المرحلة والذي اختلف عن المرات السابقة، يدعونا إلى التفاؤل في مرحلة التطبيق بأن النتائج ستكون مختلفة. فالأطراف ذات الصلة بالعملية الانتخابية من أحزاب سياسية وناخبين وإدارة الانتخابية ممثلة بالهيئة المستقلة للانتخاب، لديها تصورات واضحة اليوم حول الإطار التشريعي للإصلاح السياسي القادم، وذلك من حيث القوانين ذات الصلة بالعملية الانتخابية، وموعد الانتخابات النيابية القادمة وآلية إجرائها، وتوزيع المقاعد على الدائرة العامة والدوائر المحلية.
أما مخرجات الإصلاح السياسي في عام 2024، فيجب عدم الإفراط في التفاؤل السياسي والشعبي بأن الحكومة القادمة ستكون حكومة برلمانية بمعناها الدستوري الكامل القائم على أساس دعوة رئيس الحزب الفائز في الانتخابات إلى تشكيل الحكومة. فعدد المقاعد الوطنية المخصصة للأحزاب السياسية يبلغ (41) مقعدا بالمقارنة مع العدد الكلي لمقاعد مجلس النواب البالغ (138) مقعدا.
ويبقى التساؤل المشروع حول ماهية التحديث السياسي الذي سيرضي الأردنيين في مرحلة التطبيق في العام القادم، حيث يكفي في المرحلة الأولى احداث تغيير في تركيبة مجلس النواب العشرين، وذلك بإيصال ممثلين عن أحزاب سياسية لديهم برامج وأفكار مشتركة على حساب النواب المستقلين، لنتحول من الأداء البرلماني الفردي إلى العمل المؤسسي الكتلوي أو الجماعي وحتى الحزبي.
هذا بدوره سيؤثر إيجابا على وظيفتي التشريع والرقابة، وسيرفد مجلس النواب بأعضاء لديهم وزنا سياسيا وشعبيا سيسهم في إعادة الثقة بالمؤسسة البرلمانية. لتبقى المراحل اللاحقة من الاصلاح السياسي مرهونة بنجاح تجربة الانتخابات القادمة، والتي يتوفر لها الدعم الكامل من جميع أجهزة الدولة وفي مقدمتهم جلالة الملك، الذي أكد التزامه بالإصلاح السياسي وبأن تكون الانتخابات القادمة مختلفة عن سابقاتها وأن تشهد مشاركة حزبية واسعة.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-09-2023 09:33 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |