19-09-2023 09:44 AM
بقلم : د. هبة أبو عيادة
دائمًا ما نقرأ عن نماذج يُفتخر بها عن تربية الأبناء كمبتكرين، أو مخترعين، أو أبطال سطروا التاريخ، فالتربية هي البذرة الأولى والخطوة الأولى والكلمة الأولى في حياة كل منا، فلم نصل إلى ما نحن عليه ؛ إلا بفضل الله، ثم جهود آبائنا لصون حقوقنا وتلبية حاجاتنا وتوجيهنا نحو الطريق الصحيح، فهم يمهدون الطريق لنا لنحقق ما نطمح إليه، فالتربية هي عملية تهدف إلى تنمية مهارات الإبداع والابتكار لدى الأطفال منذ صغرهم، وتوفير بيئة تحفيزية ومحفزة للاهتمام والفضول، التفكير خارج الصندوق والتجريب بطرق جديدة، وتشجيع القراءة والاطلاع على الثقافات المختلفة والتعرف على العلوم والتكنولوجيا والفنون، لتوسيع آفاقهم وتنمية مهاراتهم وإعطائهم حرية التعبير عن أفكارهم وآرائهم بحرية، دون الخوف من الانتقاد أو الانتقادات السلبية، وذلك من خلال توفير الأدوات والمواد التي تشجع على بلورة المنظومة والقيمية والأخلاقية من جهة وتنمية مهارات التفكير من جهة أخرى، لإيماننا أننا نبني أساساً لتحقيق التقدم والتطور في المجتمعات وصناعة مستقبل يليق بأحلامنا.
عزيزي القارئ كل ما قرأته الأن، يمثل فِكرنا وتوجهاتنا ومبادئنا وبالأصبح ما جُبِلنا وتربينا عليه، ولكن للأسف وفي ظل تغلغل التكنولوجيا في حياتنا والتأثر الكبير بمواقع التواصل الاجتماعي ومحاولة تشويه أفكارنا، يؤسفني أن أكتب اليوم عن ظاهرة انتشرت؛ ألا وهي عيش الأفراد كحيوانات أليفة، تخيل رعاك الله أن يتجرد من صفاته البشرية ويعيش كالحيوانات!! ألم يدركوا قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، وقوله (وَفَضَّلْنَهُمْ عَلَى كَثِير مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، كيف يُفرِط ولي الأمر في فلذة كبده ويربيه كحيوان!، كيف يجرد الفرد من كرامته؟ ويتخلى عن بشريته؟ كيف يجرم في نسف شخصية الابن؟ كيف يتنازل عن كرامته لأجل إرضاء ابنه؟، أعلم علم اليقين أن الآباء يحرصون على تلبية الاحتياجات واحترام الحقوق، ولكن التربية ليست النزول إلى جميع رغبات الأبناء، فلم ليسوا دومًا على صواب، هم قُصر وبحاجة توجيه واحتضان وشدة إن لزم الأمر، للأسف بعض الآباء هم من يحتاجون التربية، كيف تسمح للابن أن يعيش كحيوان ويفقد إنسانيته وبشريته وشخصيته وثقته بنفسه ويتجرد من قدرته على التفكير النقدي ويُحرم من على اتخاذ القرارات وتنعدم مهاراته الاجتماعية وينخفض احترام الذات ويشعرون بأنهم لا يستحقون الاحترام. أكتب مقالي بحرقة بعد مشاهدة عدة مقاطع فيديو عبر السوشل ميديا لوالدة تُناشد وتطالب (ليس بلقمة العيش أو الدراسة أو مأوى) إنما بالسماح لابنها بتلقي العلاج عند طبيب بيطري (ليس فقرًا أو ضعفًا أو حاجةً؛ إنما نزولاً لرغبة طفلها الذي لا يدرك أصلاً ما يريد لأنه يرغب أن يعيش حياته كقط!، وهنا اللوم وكل اللوم على الأم التي هي من بحاجة إلى تربية وتوجيه، الأمومة مسؤولية وأمانة وتوجيه ودعم وليس تحقيق رغبات الأبناء دون تفكير؛ إنها تربية وليست تلبية. وللأسف نرى انتشار حسابات عديدة لأفراد يعيشون ككلاب يتم بيعهم واستئجارهم بمبالغ هائلة، وتحديات التوكتوك بالتصرف كحيوان أليف في بث مباشر، عداك عن المشاهدات المليونية التي تجلب لهم الأرباح الطائلة، صِدقا مشاهد وصور تُدمي القلوب.
نصيحتي لكل ولي أمر وكل مربي، إن التربية مُهمة تحتاج إلى تفانٍ وصبرٍ متواصل وجهدٍ مستمرٍ وتفانٍ من الأهل؛ فاتقوا الله في أبنائكم، واطلعوا على اهتماماتهم، تواصلوا معهم وخصصوا وقتًا لتربيتهم وبنائهم بناء سليم، امنحوهم الحرية والاستقلال، احتضنوهم فهم بحاجة إلى التوجيه والتربية والدعم النفسي كحاجتهم للأكل والشرب والمسكن، فالتربية ليست مجرد تلبية احتياجات جسدية إنما بناء أخلاقي وفكري وقيمي سليم فالتربية مفتاح للنجاح في عالم متغير بسرعة، فساهم في بناء جيل مبتكر مخترع، مؤمن به، وقادر على مواجهة التحديات وتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع وإحداث فرق في العالم،
وأختم بأبيات شعرية لحافظ إبراهيم
الأُم مـــدرســـةٌ إذا أعــددتــهــا.. أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق... الأمُ روضٌ إن تــعـهـد الـحـيـا بــالــري.. أورق أيــمــاً إيـــراق.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-09-2023 09:44 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |