19-09-2023 10:25 AM
بقلم : الدكتور هيثم الربابعة
الإستقرار هو الطريق الممهد نحو التطور، وإذا لم يكن هناك إستقرار سياسي وإقتصادي وإجتماعي في الأوطان تحدث التراجعات المؤلمة، وتختفي الإنجازات، ويتخلف المجتمع عن الركب الإنساني. لكن ذلك لا يمكن أن يكون فقط أمنيات أو دعوات بلا سعي وعمل وجهد، تكون نتيجته الإستقرار بكل ما تعنيه الكلمة.
تميل الفطرة الإنسانية إلى الإستقرار، وذلك لأنه من طبيعة الأشياء وأحد عناصرها الأساسية، فالإنسان يهاجر ويعبر المحيطات من أجل أن يعيش في إستقرار، ولعل صور مخيمات اللاجئين في الدول المستقرة تعبِّر عن تلك الفطرة جيداً.
يجب أن يكون الإستقرار هدفاً سياسياً، وذلك لأهميته الإستراتيجية في تطور الأوطان، والمحافظة على المكتسبات، وشرط ذلك أن يكون ذلك أيضاً هدفاً مشتركاً للجميع، من أجل أن يقفوا صفاً واحداً ضد الاختراقات التي تدعو للفوضى، وتكون مدمرة للأجيال.
من الواضح أن الدول التي تجاوزت رياح ما يسمى الربيع العربي كانت الأكثر إستقراراً من غيرها، وكان ثمن الفوضى في الدول الأخرى مؤلماً، فقد تشتت أراضيها وشعوبها، وما زالت الحرائق تحول الأخضر واليابس إلى رماد.
الإستقرار مركب معقد، وتدخل فيه ثوابت كثيرة وشروط عديدة، لكن يأتي في مقدمتها شرطان عظيمان، هما الحرية والكرامة، وإذا أخلت بهما السلطة أياً كانت، تتغير النفوس وتنقلب القناعات الفطرية، وتتبدل لغة التواصل والإحترام المتبادل إلى التحريض والإنتقام.
من شروط الإستقرار أن تكون هناك سلطة عليا مهيمنة، هدفها خلق المساحات الإيجابية للمجتمع لإبراز التنوع الثقافي وفسح المجال أمام فرص العمل ورفع معدلات السعادة في حياة الإنسان، لكن مهمتها الرئيسة منع تسلط فئات على أخرى.
لم تنجح أكبر دول الأمن والنظام في المحافظة على إستقرارها، وكان إبتلاءها مرير، بينما عاشت الدول التي ترفع من شأن الكرامة الإنسانية في إستقرار وأمن، وقد كان إنهيار المعسكر الشرقي أمام الغرب دليلاً على ذلك، فقد إنتصرت المجتمعات التي ترفع من شأن الإنسان، وخسرت غيرها ممن ينتهكون خصوصيته وكرامته.
تحظى دول الكرامة الإنسانية بقراءات أعلى في معدلات الرضا والإستقرار، وكان العامل الأهم الحفاظ على كرامة الإنسان، وتعتبر مؤشراً أهم في إستقرار الأوطان، وأن يستمر الإستثمار لإثراء هذه القيمة الإنسانية العالية هدفاً إستراتيجياً في مستقبل الأيام.
كان خلف ذلك أيضاً عامل التنوع الثقافي، والذي يعني عدم وجود صبغة موحدة على العقول، وقبول فطرة تعدد الآراء إذا لم تدعُ للفوضى والعنف، ولم تؤثر سلباً على الوحدة الوطنية، وكان ذلك بالتوقف عن التفكير السياسي من خلال المقولة الشهيرة إذا لم تكن معي فأنت ضدي.
ويعني ذلك أن الجميع مع الوطن ووحدته مهما اختلفوا أو تعددت آراؤهم، وذلك لأن الإنسان عندما يكون وطنه مصدراً لعزته وكرامته سيسعى بكل جهده الذهني والعملي للمحافظة عليه في ظل المتغيرات الكبرى في المنطقة العربية والإقليمية. حفظ الله الوطن بما حفظ به الذكر الحكيم.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-09-2023 10:25 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |