20-09-2023 08:30 AM
بقلم : د. صلاح جرّار
فجعت الدول العربية خلال العام الحالي 2023 بعدد من الكوارث الطبيعية المدمّرة والقاتلة، مثل الحرائق التي التهمت غاباتٍ وقرىً في عددٍ من الولايات في الجزائر الشقيقة وخلّفت دماراً واسعاً وخسائر فادحة وخسائر في الأرواح، ثمّ تلا ذلك الزلزال القويّ الذي ضرب مدناً في المغرب الشقيق وخلّف دماراً كبيراً وآلاف القتلى والمصابين، ثم تلا ذلك الإعصار الضخم الذي ضرب ليبيا الشقيقة وأدى إلى انهيار السدود ودمّر مناطق بكاملها وخلّف آلاف القتلى والمصابين والمفقودين عندما ابتلع البحر مدينة درنة ثم قذف بجثث أهلها إلى الشواطئ في وقائع فجائعية مهولة لا يمكن للعقل البشري أن يستوعب هولها وصور المآسي الناجمة عنها. ويأتي هذا كلّه إلى جانب فجائع أخرى كالتهجير والتشريد والتجويع والحصارات التي تشهدها مناطق كثيرة في دول عربية، بعد نحو عامين من جائحة كورونا التي خلّفت هي الأخرى آلاف الضحايا في الدول العربيّة كافّة دون استثناء.
والمتأمّل لهذه الفواجع والكوارث الطبيعية يلاحظ أنّها لم تميّز في ضحاياها بين أيّ فريقين متنازعين في أي بلد عربي ولم تراع هويّة أحد دون الآخر، لأنّها- على سوئها ووحشيّتها- تؤمن بأنّ العرب أمّة واحدة، وأنّ أبناء ليبيا كلّهم ليبيّون وأنّ أبناء المغرب وأبناء الجزائر هم أخوة، وهو ما تؤمن به الشعوب العربيّة كلّها، فالعرب كلّهم تعاطفوا مع الجزائر عند اندلاع الحرائق في غاباتها، والعرب كلّهم تعاطفوا مع المغرب عند وقوع الزلزال، والعرب كلّهم تعاطفوا وما زالوا يتعاطفون مع ليبيا بعد فاجعة الإعصار المدمّر، ولا ننسى تعاطف البلدان العربيّة كافّة مع الطفل المغربي الذي وقع قبل بضعة أشهر في أحدى الآبار، وتابع العرب كلّهم محاولات إنقاذه لحظة بلحظة، هذا في حالة الفواجع والمآسي، وهم أيضاً في حالة الأفراح والمسرّات والإنجازات التي يحققها أي بلد عربي فإننا نلاحظ أن الشعوب العربيّة كافّة تبتهج وتفرح، كالذي نجده عند تأهّل فريق أيّ دولة عربية في مباريات كأس العالم وغيرها، أو عند تحقيق أيّ فوز في تلك المباريات.
وفي ضوء ذلك كلّه أتساءل: هل يحزن المتنازعون في أي بلد عربي على ما تحزن عليه الشعوب العربية مجتمعة؟ وهل يفرحون لما يفرح له العرب مجتمعين؟ فإن كانوا يفرحون لما يفرح له العرب كافة ويحزنون لما يحزن له العرب كافّة، فمعنى ذلك أنّهم يؤمنون بوحدة العرب ووحدة مشاعرهم وضمائرهم، ومعنى ذلك أنهم مع كلّ ما يجنّب العرب الحزن ويسبّب لهم الفرح، وإن كانوا كذلك فإنّ من الطبيعي أن يتجنبوا النزاعات التي تسبب الأحزان والمآسي لشعوبهم وأن يسلكوا السبل التي تؤدي إلى سعادة شعوبهم ورفاهها.
غير أنّ استمرار النزاعات والخلافات التي تؤدي إلى المزيد من الفواجع والمآسي من قتل وأسر واعتقال وتشريد وتهجير وتجويع وتعطيش وحصار وحرمان من سبل العيش الكريم يؤشّر الى عدم مشاركة المتسببين في تلك النزاعات والذين يديرون دفّتها لشعوبهم في أفراحهم وأتراحهم وعدم حرصهم على مصلحة أوطانهم.
إنّ كوارث الطبيعة وسواها من الكوارث التي تأتي على غير ميعاد هي أولى بأن نستعدّ لمواجهتها من الاستمرار في نزاعاتنا العبثية والمستعصية، كما أنّ الحروب والنزاعات الداخلية التي تجتاح كثيراً من الدول العربية وتهلك الحرث والنسل يجب أن يوضع لها حدّ ونهاية، ويجب توجيه الاهتمام إلى مواجهة الزلازل والفيضانات والسيول والأعاصير والحرائق والعواصف الثلجية والأوبئة والأمراض والمجاعات والاحتلال الخارجي.
Salahjarrar@hotmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-09-2023 08:30 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |