25-09-2023 09:17 AM
بقلم : عبدالهادي راجي المجالي
أتذكر أول تلفاز (ملون) اشتراه أبي, كان ذلك في ال 1980, على ما أذكر... وأتذكر أني يومها كنت أول من يلمسه... وأول من ينبهر بشكله وضخامته.
قمنا بتركيبه, وحضرنا نشرة الأخبار بالألوان.. كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها ياسر عرفات بالألوان, والمرة الأولى التي أشاهد فيها (سلوى قطريب) ترتدي فستانا أصفر, وكانت المرة الأولى التي أميز فيها ألوان ربطة عنق غالب الحديدي -رحمه الله-.
كنت أعتقد أن العالم كله يعيش ضمن ثنائية الأبيض والأسود, والألوان موجودة فقط في الكرك... طفلا في عامي السابع كنت, وظننت فقط أن الكرك هي وناسها, فقط هم وحدهم الذين وهبهم الله اللون.
صرت أشاهد لون أحمر الشفاه التي تضعه صباح (الشحرورة), لقد عرض لها التلفاز أغنية... (ألو بيروت).. وكانت ترتدي فستانا (كشكش), وشعرها أصفر, لم يكن العمر وقتها قد داهمها.. وأنا بصراحة فرحت لرؤيتها بالألوان, لكن جدتي قالت في معرض التعليق على غنائها: (وين اهلها عنها.. تاركينها ترقص بين الزلم)... جدتي كان لها بعض المواقف المتشددة مما يعرض في التلفاز, وتتوافق في ذلك الوقت مع مواقف الإخوان.. أشك أن جدتي كانت من الإخوان.
شوارب طوني حنا ظلت سوداء, لم يتغير لونها مع التلفاز الجديد, وإسرائيل كانت أخبار تلفازها سوداء أيضا, لقد قالوا في نشرة الأخبار أن الجيش العراقي تعرض لخسائر فادحة, وكانت الحرب قد اندلعت مع إيران منذ أشهر, من كان منا يصدق أن الجيش العراقي تعرض لخسائر فادحة؟.. حتى أن جدتي طلبت تغيير القناة يومها, وقالت: (لعنة الله عليكوا).. وتقصد إسرائيل.
صارت الدنيا لدينا بالألوان, وتغير مفهومي عن الكوكب... وتغيرت نظرتي للكرك, فهي ليست وحدها التي وهبها الله اللون..
أنا كبرت الان.. لكني أريد العودة (للأبيض والأسود), صدقوني أني جبت محلات البلد كلها بحثا عن تلفاز بالأبيض والأسود ولكني لم أجد.
ما يظهر على الشاشة الان ليس لونا, هو مجرد طلاء.. ولكن الحقيقة أن كل شيء في هذا العالم هو أسود, وما تشاهدونه هو مجرد طلاء لا أكثر ولا أقل...
للعلم سميرة توفيق بالأبيض والأسود كانت أجمل.
Abdelhadi18@yahoo.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-09-2023 09:17 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |