27-09-2023 08:50 AM
بقلم : د. صلاح جرّار
لو كان الشعر شبكةً من السكك الحديدية تربط بين البلدان العربيّة تسهّل التواصل بين أبناء العروبة لقام أعداء هذه الأمة من صهاينة وسواهم بتدمير هذه الشبكة وتقطيع أوصالها، ولو كان الشعر معاهدات واتفاقيات بين الدول العربية للتعاون فيما بينها في مختلف المجالات لعمل أعداء هذه الأمّة على تمزيقها وإبطال مفعولها، ولو كان الشعر مشروعاً عربيّاً مشتركاً لإنشاء مصنع للسلاح المتطوّر لقام أعداء الأمّة بحرقه أو نسفه أو تدميره، ولو كان الشعر رايةً موحدّة للدول العربيّة جميعها لقام أعداء الأمّة بتمزيقها قبل أن ترفع على ساريته?، ولو كان الشعر العربي عملة موحّدة يتعامل بها العرب جميعاً لقام أعداء الأمّة بتبخيسها إلى أدنى حدّ ممكن حتّى لا تعود لها قيمة..
لكنّ الشعر غير ذلك كلّه، هو إحساس يظهر بقوة أحياناً ويكمن أحياناً أخرى يجمع بين أبناء الأمّة العربيّة كلّها من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، إحساس بحبّ الأمّة والحماسة لتقدمها ونهضتها وعلوّها، وإحساس بالتعاطف الشديد مع كلّ بلد عربيّ بتعرّض لأذى أو احتلال أو مصيبة، وإحساس بالتعاطف العارم مع كلّ بلدٍ عربي يسعى إلى تحقيق إنجاز ما في الصناعة أو الزراعة أو الرياضة أو السياسة أو غيرها، وإحساس بالسعادة لكل ما يسعد الأمّة وبالمرارة والشقاء لكل ما تشقى به الأمّة... وقد يكون هذا الشعور غ?ضباً ومريراً لكنّه غضب عتب ومرارة تعثّر وكبوات.
إنّ هذا الإحساس الموحّد بين العرب الممتد بين قلوب العرب كافّة لا تستطيع الحدود أن تمنعه أو توقف نبضه، ولا تستطيع الحواجز أن توقف مدّه، فهو شعورٌ خفيّ يسري في الليل كما يسري في النهار ويجتاز الحواجز والحدود، ويخفى عن عيون الحرّاس والجواسيس والطائرات المسيّرة والمطيّرة وكاميرات المراقبة، ولا يملك أعداء الأمة من الصهاينة وغيرهم أن يرصدوه أو يمنعوه، بل إنّه يزداد توهّجاً كلّما حاول أعداء الأمّة إخماده.
والشاهد على ذلك ديوان رباعيّات جنين الذي شارك فيه شعراء من أقطار الوطن العربي كافة تعبيراً عن إسنادهم ومؤازرتهم لمدينة جنين ومخيّمها الباسل في أعقاب الاقتحامات الإجرامية الإسرائيلية لهما.
إنّ هذا الإحساس الذي عبّر عنه مائة وخمسة وعشرون شاعراً وشاعرة من الأردن الحبيب إلى فلسطين الساكنة في قلوب العرب كافّة إلى مختلف الأوطان العربية في رباعيّاتهم التي تنبض حبّاً وعزّاً وكرامة هو أصدق تعبير عن الضمير العربيّ الحقيقيّ، لم أكن أتوقع أن يلقى النداء الذي أطلقته أنا وصديقي الشاعر المتألق سعيد يعقوب لكتابة رباعيات تلتزم وزناً واحداً وقافية واحدة في مؤازرة جنين ومخيمها وفلسطين وصمود شعبها بالكلمة الحرّة الشريفة، هذه الاستجابة السريعة بهذا العدد الجمّ من شعراء الأمّة الذين كنّا نظنّ أن جذوة حماستهم لفل?طين والقدس وقضايا الوطن العربي قد خمدت، لكن ثبت والحمد لله أن فلسطين والقدس ما زالتا تقيمان في قرارة الوجدان العربي، وأن النبض العربي واحد لم ولن يخمد في يوم من الأيام.
إنّ ديوان رباعيات جنين شاهدٌ حقيقي على طهارة الوجدان العربي وعلى وحدة النبض العربي، كما هو شاهد على أن الشعر العربي ما زال قادراً على المشاركة الفاعلة في مواجهة التحديات التي تواجه هذه الأمّة، وما زال قادراً على تحصين الإحساس الوطني والقوميّ العربيّ وتحصين الضمير والوجدان العربيين والوعي العربيّ في وجه كلّ المحاولات التي تسعى إلى تلويثها وتشويهها والحدّ من أثرها في المحافظة على الأمّة ووجودها وثقافتها ومقدساتها ومكانتها التاريخية وثقافتها العريقة.
Salahjarrar@hotmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-09-2023 08:50 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |