حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,27 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 1313

التَّعَلُّقُ بَيْنَ المُتْعَةِ وَ العَذَابِ

التَّعَلُّقُ بَيْنَ المُتْعَةِ وَ العَذَابِ

التَّعَلُّقُ بَيْنَ المُتْعَةِ وَ العَذَابِ

30-09-2023 10:46 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ. محمَّد الدَّلالعَه
إنَّ الطَّبيعة البشريَّة الفطريَّة السَّويَّة بطبيعتها مجبولة على الحُبِّ، و لعلَّ هذا من سُنَن الله الكونيَّة في خَلْقه؛ فنحن بطبيعتنا كبشر بحاجة ماسة للحُب في حياتنا فالحبّ أمثولة لحياة سويَّة نشعر من خلاله بقدسيِّة و أهميَّة وجودنا في الحياة، فنحن دومًا بحاجة ماسة للإشباع العاطفيِّ كحاجتنا للماء و الهواء.

إنَّ المرور بأيِّ علاقة و الاستمرار عليها يطوِّر من تآلفنا و نمو شعور التَّآلف إلى التَّعوُّد إلى الحُبِّ إلى التَّعلُّق ((العشق))، و لعلَّ التَّعلُّق من اسوأ مراحل تطوير العلاقات العاطفيَّة؛ حيثُ يولِّد التَّعلُّق إحساس وسواسيٍّ قهريٍّ بامتلاك المتعلّق به، و غيرة مفرطة تُؤرِّق المتعلِّق، و الإحساس بالنِّقص في حالة عدم تواجد المتعلّق، و الإحساس و الشّعور المرهق الدَّؤوب في السَّعي نحو إرضاء المتعلّق، فأنت في خِضَمِّ حياة بائسة مجبولة بعذاب قهريٍّ خالٍ من الطَّمأنينة و راحة البال.

الحُبُّ شعور جميل؛ فنحنُ على الدَّوام بحاجة مآسة إليه، فجاء في صحيح مسلم-حيثُ يخبرنا رسولنا الكريم بحبّه لعائشه-:"...إنِّي قد رزقت حبّها"، و لكنّ التّعلُّق ما يؤرِّقنا، يقول ابن القيِّم في كتابه ((مدارج السَّالكين)) في الفصل الثَّالث من مفسدات القلب:"التَّعلُّق بغير الله تبارك و تعالى..."؛ حيثُ من تعلَّق قلبه بغير الله عُذِّب فيه.

و من ناحية علميَّة:"حينما نسمع خبر عن مَن نحبّ أو نقرأ رسالة إلى مَن نحب أو عرانا أيّ طائف عن مَن نحبُّ يُفرز الجسم مادتي: الدُّوبامين و الميثوبيولامين، فيرسلانِ إشارات للدِّماغ و هذا سبب شعورنا بالسَّعادة بالحُبِّ"، بل و هناك هرمون الحب ((الأكسيتوسين)) و هو أحد النَّواقل العصبيَّة الَّذي يرتبط بالعديد من المشاعر و العواطف الَّتي يمرُّ بها الإنسان.

و أخطّ إليكم-على عُجالةِ-بعض من نماذج التَّعلُّق في حياة الشُّعراء، فهذا الشَّاعر الليبيّ صلاح الدِّين الغزال، يقول في تعلُّقه الشَّديد بليلى-حيثُ حياته و مماته يستويانِ بعد فراقه ليلى-، فيقول:
قلبي و عقلي لدى ليلى أسيرانِ...و الموتُ و العيشُ بعدَ البَيْنِ صِنْوانِ

و هذا قيس ابن المُلوَّح يخبرنا أن من شدِّة تعلُّقه بمحبوبته تعلَّق بالمكان حتَّى بلغ شِغَاف ((الشِّغاف:الغلاف الرَّقيق الَّذي يغلِّف القلب)) قلبه. فيقول:
و ما حُبُّ الدِّيارِ شغفن قلبي...و لكن حُبُّ مَن سكن الدِّيارا

و هذا كُثير عزَّة، من شدَّة تعلُّقه بمحبوبته يطلب من أصدقائه أن يربطا ناقتيهما حيثُ ربع محبوبته، ثُمَّ يبكيا، فيقول:
خَليلَيَّ هَذا رَبْعُ عَزَّةَ فَاعْقِلَا...قلوصَيكُما ثُمَّ ابْكِيَا حَيثُ حَلَّتِ

و يقول أحد الشُّعراء موصفًا تعلُّقه العميق بمحبوبته، فيقول:
يا مقيمًا في خاطري و جَناني..و بعيدًا عن ناظري و عياني
أنت روحي إن كنتُ لستُ أراها...فهي أدنى إليَّ من كل دانِ

و يقول آخر موصفًا تعلُّق محبوبته به-فلسان حالها قائلًا-:
خَيالُكَ في عيني وذِكرُكَ في فمي..و مثواك في قلبي فأين تغيبُ

و هذا الشَّاعر الأيوبيّ القاضي الفاضل يُخبرنا عن حالة التَّعلُّق المؤرقة واصفًا حالته، بقوله:
وَمِن عَجَبٍ أَنّي أَحِنُّ إِلَيهِمُ...وَ أَسأَلُ عَنهُم مَن أَرى وَهُم مَعي
وَ تَطلُبُهُم عَيني وَ هُم في سَوادِها...وَ يَشتاقُهُم قَلبي وَ هُم بَينَ أَضلُعي

و أختمُ مقالتي، بقول علي بن الجَهْمِ:
أبلِغ عَزيزاً في ثنايا القلبِ مَنزله.............أنِّي و إن كُنتُ لا ألقاهُ ألقاهُ
و إن طرفي موصولٌ برؤيتهِ...............و إن تباعد عَن سُكناي سُكناهُ
يا ليته يعلمُ أني لستُ أذكرهُ.................و كيف أذكرهُ إذ لستُ أنساهُ
يامَن توهم أني لستُ أذكره....................و اللهُ يعلم أنِّي لستُ أنساهُ
إن غابَ عنِّي فالروح مَسكنهُ.....مَنْ يَسكنُ الرُّوحَ كيفَ القلبُ ينساهٌ
___________________________
*بقلمي: أ. محمَّد حكمت الدَّلالعَه.








طباعة
  • المشاهدات: 1313
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
30-09-2023 10:46 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم