01-10-2023 09:33 AM
سرايا - بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولاً: نهنئك -ابنتنا العزيزة- بفضل الله تعالى عليك وتوفيقه لك بالتوبة، فهذه نعمة كبيرة وعطية عظيمة، مَنَّ الله تعالى بها عليك، فينبغي أن تُكثري من شُكر الله تعالى عليها، واعلمي أن الذنوب مهما كثرت؛ فإن الله سبحانه وتعالى يغفرها ويتجاوز عنها بتوبة صاحبها، وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}.
فالله سبحانه وتعالى دعا إلى التوبة كل أصناف المجرمين في القرآن الكريم، فدعا الذين سبُّوه سبحانه وتعالى وشتموه وأشركوا به وادعوا أن له صاحبة وولدًا، فقال لهم: {افلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم}، ودعا القتلة والزناة وشُرَّاب الخمر وأكلة الربا وقُطَّاع الطريق، وغير ذلك من أصناف المجرمين نجد القرآن يدعوهم إلى التوبة، ويُبشّرهم بتوبة الله تعالى إن تابوا، فمهما كانت ذنوبك فإن الله سبحانه وتعالى يغفرها بالتوبة الصادقة، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته، وقد قال الله في كتابه: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}، ودعانا جميعًا للتوبة فقال: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}، بل أخبر الله في كتابه بأنه يُبدّل سيئات التائبين حسنات، فقال في آخر سورة الفرقان: {إلَّا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يُبدِّلُ الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيمًا}.
وأخبرنا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة عن فضل التوبة، وعن فرح الله تعالى بتوبة العبد المؤمن ليُكرمَه ويُثيبه، وأخبرنا أيضًا بأن التوبة تمحو وتمسح ما كان قبلها من الجرائم، فقال عليه الصلاة والسلام: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وأخبرنا أن خير الخطائين التوّابون، وأخبرنا الله تعالى في كتابه أنه يُحبُّ التوّابين ويُحبُّ المتطهرين.
فهذا كله يُبيِّنُ لكِ أن التوبة عطاءٌ كبير من الله وتوفيقٌ عظيم، فاستشعري هذا الفضل العظيم، حتى تجدي في نفسك ما يدفعك إلى الإقبال على الله، والإكثار من طاعته والتعلُّق به وحُبِّه سبحانه وتعالى.
وأمَّا ما ذكرتِ من قسوة القلب؛ فإن علاج قسوة القلب كثرة الذِّكر لله تعالى، ومجاهدة النفس على فعل الطاعات، والتزكية والتربية للنفس تكون بالتدريج، فإذا لم يحصل لك لين القلب وسكينته من اللحظات الأولى؛ فإنه بإذن الله تعالى بالصبر والاستمرار على سلوك طريق الطاعة والتقرُّب؛ سيحصل وستصلين إلى النتائج المرضية، فقد قال الله في كتابه الكريم: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا وإن الله لمع المحسنين}، فالله تعالى معك، ينصرك ويُؤيّدُك ويُوفقك ما دُمت تجاهدين نفسك من أجل الله، ومن أجل إرضائه سبحانه.
فاحذري من أن يتسرَّب الشيطان إلى قلبك بالأفكار السيئة، والعقائد الباطلة، التي يُريد من خلالها أن يغرس في قلبك اليأس من رحمة الله، والقنوط من فضله وعطائه، وبذلك يقطعك عن سلوك الطريق الذي يُقرِّبُك إلى الله ويُوصلك إلى جنّته.
فالشيطان لما رآك قد تبت أراد أن يفسد عليك لذة التوبة والإقبال على الله، فالمفروض أن التائب يجد لذة بذلك، لا أن يدخل في دوامة الحزن والخوف الزائد، فهذه مكيدة شيطانية، ليفسد عليك حياتك، فلا تُبالغي في الخوف من الله تعالى، الخوف الحاجز عن الطاعات والعمل، المُحبط عن سلوك الطريق، فهذا خوفٌ مذموم، وإنما ينبغي أن يخاف الإنسان من الذنب، بالقدر الذي يحجزه عن المعاصي ويدفعه لمزيد من الطاعات، فهذا الخوف هو خوف المؤمنين، الخوف النافع، المُنتج للعمل الصالح، الحاجز عن العمل الخبيث.
نُكرر الوصية -ابنتنا الكريمة- بالمداومة على ذكر الله تعالى، فإنه أعظم سبب لحصول استقرار القلب وسكينته، كما قال الله: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
فأعرضي عن الوساوس، فإن علاجها الأمثل هو الإعراض عنها، والتغافل عنها، وعدم الاكتراث بها، لا تُبالي بها، ولا تلتفتي إليها.
إذا صبرت على سلوك هذه الوصايا التي ذكرناها لك؛ فإنك ستصلين -بإذن الله- إلى حالٍ حسنة، وسنسمع منك إن شاء الله ونقرأ لك ما يسرّ الخاطر فيما يستقبل من الزمان.
نسأل الله تعالى لك الخير كله.