11-10-2023 09:07 AM
سرايا - جائزة كتارا للرواية العربية جائزة سنويّة أطلقتها المؤسسة العامة للحي الثقافي - كتارا في بداية عام 2014، تضطلع هذه الجائزة بدور ريادي مهم خدمةً للرواية العربيّة، وتكريمًا للمتميزين من الروائيين وذلك من خلال عمل مهنيّ وباحترافيّة عالية. وهذا جعلها تتجاوز قيمتها الماديّة إلى قيمة معنوية تتجسَد بالاحتفاء بالمنجز الروائي العربي إبداعًا ونقدًا، وجعل القرَاء في حالة تحفّز كلَ عام انتظارًا لعمل سردي جديد.
درجت جائزة كتارا منذ ظهورها على انتقاء نصّ روائي عربي ترشحه من مجموع نصوص كثيرة للتتويج بالجائزة، التي تعمد إلى إخضاع الأعمال المقدّمة لمعايير فنية وجماليّة تستجيب لمقتضيات فكرية وحضارية خاصة. وبالتالي نجد أنفسنا في كثير من الروايات الفائزة أمام نصوص روائيّة تنشد العالمية وترتفع من المحلي إلى المستوى الإنساني، إذ تُراهن جائزة كتارا على حضور الآخر؛ لتحقيق حالة إبداعيّة جديدة.
استطاعت الجائزة تحقيق تميّز على المستوى الجماليّ والاحتفاء بكلّ ما هو جماليّ في النص، وما تعالجه الرواية من أفكار. لذلك فإنّ من واجبنا كنقاد وقراء وكتّاب رواية الوقوف عند الروايات الفائزة قراءة وتقصيًّا لملامح التميّز والخصوصية في هذه الروايات.
إنّ البحث عن المدهش والممتع في الرواية العربية هو هدف تسعى إلى ترسيخه جائزة كتارا فضلاً عمّا تحفّزه من عوالم تخيليّة تعكس طاقات جماليّة سرديّة مذهلة. يحق لنا ونحن نقترب من السنوات العشرة الأولى من عمر الجائزة الانتصار للتجربة الإنسانية بخصوصيتها المدهشة، ورفد المنجز السردي العربي بروافد جديدة تكمن أهميتها في محاولة استعادة الحضور الإنساني للسرد العربي بعيدًا عن تحديات التهميش والاستقواء.
تنفتح جائزة كتارا على العالم برؤى إنسانية واعيّة بعيدًا عن خطاب العنف والكراهية والتطرّف الفكري، وعن لغة الحروب والإقصاء؛ لتضعنا أمام منجز سردي روائي ينشط في ألفية جديدة، إذ تشكل الجائزة ثورة فكرية وجماليّة؛ لتشق الرواية العربية طريقها نحو آفاق أوسع من التجربة الفنية الموغلة في أعماق النفس الإنسانية، والمبصرة بعين ثاقبة للواقع. وبالتالي أرادت الجائزة أن تقول من خلال رسالتها وأهدافها إنّه يمكن أن نلتقي لقاء حضاريًّا معرفيًّا مهمًا. وهذا ما رسخته جائزة كتارا من خلال رسالتها ورؤاها الفكرية في مجمل الأعمال الروائيّة الفائزة.
لقد حققت الجائزة للرواية العربية صوتًا مسموعًا وفضاءً واسعًا تتداخل فيه الأجناس الأدبية، والفنون البصريّة.
في وطني الأردن أحدثت جائزة كتارا حِراكًا إبداعيًّا مهمًا في مجالات الكتابة الروائية والنقديّة أيضًا؛ فقد أسهمت في تحفيز المبدعين لكتابة الرواية، فضلاً عن إيجادها لبيئة إبداعية خصبة لما تسعى إليه من قيم إنسانية نبيلة، وهي من ناحية أخرى أسهمت في ترسيخ أسماء روائية أردنية مهمة.
هناك العديد من الأسماء الروائية الأردنية التي فازت بهذه الجائزة المهمة، نذكر منهم: ثائرة العقرباوي عن رواية «هاجر ـ فلسطين ـ الكويت وبعد»، وهيا صالح عن رواية «لون آخر للغروب»، وسميحة خريس عن رواية «فستق عبيد»، وليلى الأطرش عن رواية «لا تشبه ذاتها»، وندى جمال صالح عن رواية الفتيان غير المنشورة «قاهر قراصنة السند» وسناء شعلان عن رواية الفتيان «أصدقاء ديمة»، وقاسم توفيق عن رواية «نزف الطائر الصغير»، ومجدي دعيبس عن رواية «الوزر المالح» وإبراهيم نصر الله عن رواية «دبابة تحت شجرة عيد الميلاد» ثم كرر الفوز بروايته «أرواح كليمنجارو»، وجلال برجس عن رواية «أفاعي النار».
لقد تجاوز مضمون الجائزة محدوديّة الرؤى التقليديّة، ومحليّة الرواية إلى سمو البعد الإنسانيّ الذي يحتفي بكلّ ما هو جماليّ ونبيل مركزًا على القضايا الإنسانيّة المؤثرة بعيدًا عن صخب الشعارات.
تمثلت الجائزة رسالة الأدب الخالدة ببعدها الإنساني، فهي تنظر إلى الأدب بوصفه ميراثًا إنسانيًّا نسمو به، ونبثه رؤى عميقة بعيدًا عن الحروب والأوبئة، وهذا شكّل حالة ثقافية مهمة تُسهم في زيادة الوعي بدور الرواية وأهميتها التفاعليّة مع مجتمعات مأزومة تعاني من الخذلان والانكسار.
وبعد، فأعتقد أن مقدرة الجائزة في الانتقال من المحلي إلى الإنساني يعد أحد أهم المقاييس الأدبية المهمة التي يمكن من خلالها الحكم على الرواية العربية بالتميّز والإبداع، فضلاً عمّا تحققه هذه الروايات من قدرة على قبول الآخر ومحاورته تحقيقًا لتجاوز المألوف، وتأكيدًا على ترسيخ هويّة الأمة ووجودها الحضاري. أمّا المعايير الجماليّة بتقنياتها الفنيّة، فهي من متطلبات الفن الروائي أصلًا وتحققها ضروري لقبول الرواية أوّلاً ثم قدرتها على خرق الروايّة التقليديّة، وتميّزها بطرائق السرد وتقديم الشخوص ثانيًّا. ولمّا كان الاحتفاء بكلّ ما هو جماليّ في النص الأدبي يخضع لعمليات التلقي والتأويل، فإن إشراك جمهور القرّاء والنقاد في تحكيم هذه الجائزة أمرٌّ ضروريّ أيضًا لتقديم معرفة عميقة تمتد للآخر؛ لتمنحه التنوّع في ظل تفاعل حضاري مثمر، يقتحم آفاق جديدة بأساليب جديدة أيضًا.
د. عماد الضمور - ناقد أردني
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
11-10-2023 09:07 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |