بقلم : د. صلاح جرّار
أن تكون قويّاً لا يعني أنّك بطل، وليس من شروط البطولة أن تكون مفتول العضلات ضخم الجثّة، فكم من إنسانٍ قويّ صاحب عضلات أو لديه سلاحٌ فتّاك لا يملك من البطولة ذرّة واحدة.

وليست البطولة أن تحمل بندقية أو مسدساً وتهدّد أو تهاجم به أناساً لا يملكون سكّيناً ولا عصا ولا حتّى حجراً، فكم من حامل بندقية أو مسدس أو حتى مدفع لم يضف له سلاحه أيّ قيمة.

وليست البطولة بعدد من تلحق بهم الأذى من قتل وجرح وغيره من الأطفال والنساء والشيوخ، فمن يملك سلاحاً في مواجهة قوم عزل لا يعجز عن قتل أيّ عددٍ يشاء.

وليست البطولة في مواجهة تحدٍّ بسيط كأن تنجح في قتل عقرب أو طرد كلب مسعور من حديقة منزلك أو فتح باب منزل كان مستعصياً، فهذه حالات تحتاج كلّ منها مهارة معينة، ولا يمكن وصفها بالبطولة.

وليست البطولة أن يقوم ما لا يقلّ عن خمسين جنديّاً مدجّجين بأحدث الأسلحة بمطاردة فتىً لم يبلغ الرشد واعتقاله بطريقة وحشية وكأنّهم اصطادوا فريسة عظيمة القيمة.

وليست البطولة أن تقتحم مائة آلية وجرّافة عسكرية مخيّماً لا يمتلك من مقوّمات الحياة الكريمة إلاّ القليل ثم تأخذ في تدمير بنيته التحتية من شوارع ومياه وكهرباء وملاحقة أطفاله ومحاصرة بعض منازله وقصفها بالصواريخ.

وليست البطولة أن تقصف الطائرات الحربية بأحدث أنواع الصواريخ عمارة سكنية يقطنها مدنيّون أبرياء وتهدمها على رؤوسهم.

هذه كلها صورٌ من صور الاستعراض والاستقواء والاستئساد على من لا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم، وهي صورٌ تعبّر عن أقصى درجات الجبن والنذالة، ولا علاقة لها بالبطولة من أيّ وجه من الوجوه.

إنّ البطولة الحقيقية هي التي تثير الدهشة لدى من يتابعها أو يسمع بها، وذلك عندما تكون إمكانيات البطل من السلاح والقوّة والعدة والعتاد محدودة لكنه يتمكن من تمريغ أنف خصمه الذي يمتلك قدرات كبيرة جداً من السلاح والقوّة والأدوات والوسائل والأعداد والدعم متعدّد المصادر. ومن شروط إحراز لقب البطولة أن يرافق هذه الغلبة إرادة وإصرار وصبْرٌ واحتمال وتخطيط وتصميم وشجاعة وإقدام وتضحية وتوظيف إلى أقصى حدّ للإمكانيات المتاحة، والأهم من ذلك أن يكون الموقف الذي يحرز فيه البطل الغلبة موقفاً يستحقّ أن يسمّى موقفاً بطوليّاً أ? أن يكون ذا قيمة كبيرة وأن يتصف بالندرة ويثير الدهشة.

ومن أهم شروط البطولة أن يكون البطل على حقٍّ في ما يقوم به من عمل، كأن يقاوم محتلّاً أو يتصدّى لمعتدٍ أو ما يشبه ذلك، لأنّه لا يليق بالبطل أن يكون معتدياً أو ظالماً.

وإلى جانب ذلك فإنّه ليس كلّ نجاح يمكن أن يسمّى بطولة، وليس كلّ نصرٍ يمكن أن يطلق عليه بطولة وإن كانت البطولة أحياناً سبباً من أسباب تحقيق النصر، كما أنّه ليست كلّ شجاعة تسمّى بطولة وإنْ كانت الشجاعة شرطاً من شروط البطولة.

وعلى ذلك يمكن معرفة من هو البطل ومن يدّعي البطولة زوراً وبهتاناً في المواجهات التي تدور على الأراضي الفلسطينية.

Salahjarrar@hotmail.com