حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 2908

قراءة نقدية في رواية لجوءستان

قراءة نقدية في رواية لجوءستان

قراءة نقدية في رواية لجوءستان

14-10-2023 03:02 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. مرام أبو النادي
الرواية المشتركة لأديبين اثنين، مراد سارة و سهاد الدندشي، اللذين عاشا التجربة الإنسانية الوطنية في الاغتراب عن وطنيهما؛ عاشا بعيدين كسائر المبعدين قسرًا – لجوءا- نزوحا؛ ليجدا الأمان في بقاع متفرقة على هذا الكوكب الذي اسمه الأرض.


لم يحملا معهما في الاغتراب واللجوء سوى حقيبة من الذكريات التي تأججت بها صفحات الرواية البالغ عددها 223 صفحة.


فكانت رواية لجوءستان الرواية الأولى – على حد علم كاتبة الورقة د. مرام أبو النادي- التي نُسجت أحداثها ووقائعها المبنية على واقع حقيقي تاريخي وبمزاوجة لوطنين، لحالتين، لإنسانين بتجربتين لا تكاد تظهر حدود أي منهما، إلا بفعل استخدام المكان (فتارة تقرأ فلسطين بمدنها وقراها، وتقرأ حمص، حلب ...سوريا تارة أخرى كما ذكرت لم تظهر حدود الحالتين لفكرة اللجوء بسبب المجهود الكبير والواضح في دمج الذاتين ليكون لسان الحال واحدا... والهم واحدا والألم واحدا والحنين واحدا.


وفي موضوع الرواية العربية ومرجعية التاريخ:


هو موضوع نقدي له دراساته الغربية والعربية كما له رواده فالعلاقة التي جمعت بين الرواية والتاريخ أنشأت نوعا روائيا خاصا عرف بالرواية التاريخية، نعم لجوءستان رواية تقوم على حدث تاريخي لا يمكن أن ينسى؛ فهو حدث تحمله ذاكرة المواطن العربي، كما تحمله عين الواقع الحالي إلى أن يشاء الله تغييره؛ فهو الخنجر المزروع بخاصرة الوطن العربي ( احتلال الكيان الصهيوني)؛ إلا أن الموضوع الأساسي للتاريخ هو الواقع بينما واقع الرواية متخيلها، فالرواية التاريخية قامت بدمج الواقع التاريخي بالمتخيل الروائي، جيرار جنيت تحدث عن الإمكانات الفعلية لإلغاء أحد العنصرين من بنية كل من هذين الجنسين التاريخ والرواية لأن لكل منهما علاقة بالتعبير الحدث والإنسان، فيقول جيرار: هل وجد يوما ما متخيل محض؟


طارق علي يبسط المسألة بقوله: الخيال عند الروائي مقدس والحقيقة مجال إلى الانتهاك ولابد أن العكس صحيح عند المؤرخ.


بدأت بهذه المسألة لأتوصل إلى نتيجة أن لجوءستان تمثل حالة تطابق بين المتخيل والحدث التاريخي؛ فهناك ارتباط عميق بين الشخصيات التي تمثل مراد وسهاد باسميهما المستعار أيوب بالدلالة التي تحمل رمز الفلسطيني الصابر صبر أيوب، وشام التي تحمل عبق ياسمين الشام التي تفوح في أرجاء المعمورة من منبتها سوريا؛ بل تمادى الارتباط ليتجذر في المشاعر المختزنة والتي فاضت عبر الحكايا والأحداث التي تتنقل بخفة بين أماكن عديدة وبمحطات لجوء موجعة جعلت الذكرى تئن عبر المسافات وهي تنادي فلسطين وسوريا.


مراد وسهاد وغيرها من الشخصيات التي وردت في الرواية والمشاعر الصادقة والصور واللغة الساحرة التي تأخذك على بساط من الأمل لتصل بك عدستك البصرية إلى الوطن الذي تحدث عنه أم أيوب لابنها أيوب مرارا، وإلى سوريا التي تحدثت عنها شام وهي تسكن تركيا ...اللغة تم استخدام كلمات شكلت قرائن المكان على الرغم من بعدها المادي الملموس فدخان الهيشي، العقال، والقمباز لها مكان واحد وبقعة واحدة لن نحتار بمعرفته.


اللغة برمزياتها وصورها تتناثر عبر سطور الرواية كقطع الكريستال تلمع تحت شعاع القمر الأبيض، فما بعد رمزية لجوءستان و أيوب و شام ستجد الكثير من الدلالات فجزيرة الكنز التي لجأ الروائيان إلى التناص الذكي؛ فلم يسهبا استرسالا بذكر أحداثها؛ إنما العبرة منها و هو يحمل نوعا من الانتفاع بالأدب العالمي فجزيرة الكنز قصة معروفة للكثيرين فما الجدوى من ذكرها حرفيا إن كان المغزى معروفًا... وبيع قطع الذهب، زواج شام في مقتبل عمرها ممن لا تحب والنافذة كلها كلمات تحمل من الدلالات ما يمكن للقارئ أن يستلهمه ... تفاصيل غنيّة تعبر عن بيئة المكان، تثبت صدق الشخصيات ستكتشف أنك جزءا من هذه الشخصيات ولا تستغرب إن كنت أنت و متأكدة أن الشخصيات تمثلنا نحن جميعا فالوجع كما ذكرت واحدا.


عندما تبدأ وتيرة الأحداث بالتصاعد.. لا بد من تهيئة مناسبة فكان التهيئة لبطلي الرواية مقنعة محكمة فشام وأيوب ومكان اللقاء المفوضية في تركيا شام تحفظ تاريخ حمص تحمله معها منذ صغرها وأيوب الذي لم يجبها من أي بلدة جاء منها بل كانت أجمل إجابة والأرقى على الإطلاق كأنها ترتقي لتكون في الملكوت بسموها.. أول كلمة في إجابته" أمي رحلت بحق رجوع إلى الله وأخذت معها سنابل محبتي للسماء" ....... الإجابة بدأت بأمي؛ يعني الأم هي الوطن والوطن لنا أم ... الأم تلد أولادها وترحل إلى السماء لكن الوطن هو الأرض التي تنبتنا لكنها باقية ولا ترحل وإن غبنا ومتنا.


الرواية ليست غريبة؛ فهي حقيقة جلية نعيش أحداثها؛ ولعل الجزء الختامي منها، يثبت ذلك، فتناول الأديبان ظاهرة صحية أرخت بظلالها على المجتمع الدولي سياسيا اقتصاديا اجتماعيا وسأضيف مجالًا آخر مجال الحب لتنتهي الرواية بألم كما بدأت به.


تشكل لجوءستان، إضافة جديدة إلى عالم الأدب الروائي، لتأخذ مكانها وقيمتها بالأثر الذي ستخلفه في قلوب القراء، وعقولهم، ستكون البوصلة التي توحّد مساراتنا من جديد إن شتتنا المكان.








طباعة
  • المشاهدات: 2908
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم