17-10-2023 08:33 AM
بقلم : جمال اشتيوي
الجبهة الإعلامية واحدة من أخطر الجبهات المفتوحة بين المقاومة الفلسطينية و«إسرائيل»، والتي غالبا لا تنتبه المقاومة ولا الدول العربية لخطورتها، وتأثيرها في سير المعركة الحربية والدبلوماسية على الأرض.
أهم ما ميز الخطاب الاسرائيلي هو وجود استراتيجية واضحة ومحددة ومدروسة تمهد الرأي العام الدولي رسميا وشعبيا، للقبول بأي إجراءات لا إنسانية على الأرض ضد الفلسطينيين مهما كانت وحشية وقمعية، هذا الخطاب الموجه للخارج العربي والدولي غالبا ما يبنى على ما يكرهه الغرب والعرب، ولا يأتي من فراغ.
«حماس تساوي أو أشد بشاعة من داعش»، هذه هي الثيمة الرئيسية التي اشتغلت عليها دولة الاحتلال في خطابها الإعلامي للعالم لكسب التأييد منقطع النظير في معركة «طوفان الأقصى»، لتكريس الرواية الاسرائيلية التاريخية المزيفة لدى الشعوب الغربية وحكوماتها، ولتبرير أي تصرفات وسلوكيات انتقامية حتى لو تضمنت قتل أطفال ونساء وشيوخ، فعلى الأقل قدمت دولة العدو رواية تبرر مؤازرة الحكومات الغربية لها أمام شعوبها، ولتشكيل ما شبه تحالف حتى لو اقتصر على عدة دول كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كما حدث في العدوان الثلاثي على مصر في?عام 1956 باشتراك بريطانيا وفرنسا و«إسرائيل».
منذ توافد المسؤولين الغربيين على «إسرائيل» بداية معركة «طوفان الأقصى» تعمّد المسؤولون الاسرائيليون ترديد عبارة «حماس هي داعش» وخصوصا على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت وكذلك وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين.
وبالتحديد نتنياهو كرر قوله: «سنقضي على حماس كما قُضِيَ على داعش»، ووزير الحرب غالانت قال: «حركة حماس هي داعش غزة»، وفي موازاة ذلك نشر الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي تغريدة تضمنت: «صورة لعلم تنظيم الدولة الاسلامية #داعش الارهابي» وقال: «تم كشفها من بين عتاد دواعش_حماس الذين تسللوا الى كيبوتس سوفا في غلاف غزة. يا للعار، الاسلام منكم براء».
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الرواية الإعلامية ذاتها تبناها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بقوله: «ممارسات حماس تشبه أعمال داعش، حماس تخطت شر تنظيم داعش»، وكذلك الرئيس الأميركي جو بايدن بقوله: «ما قامت به حماس يتجاوز جرائم داعش».
عموما الاستشهادات كثيرة لا يمكن حصرها لكثرة ما ترددت على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، والهدف هو استثمار «صيغة حماس داعش»، فتكون دولة الاحتلال ارتكزت بذلك على ذاكرة عالمية جمعية لا حدود لها، لاستدعاء كل الصور النمطية البشعة عن «داعش» التي بناها الإعلام العالمي في أذهان الجميع.
ما سبق لا يعني فقط كسب التأييد وإطلاق يد «إسرائيل» في الانتقام من الشعب الفلسطيني بل وإخافة وترويع أي مسؤول دولي يفكر في الدفاع عن الحق الفلسطيني مع بعض الاستثناءات، وإضافة لبنة ضخمة وكبيرة إلى صرح الرواية الإعلامية اليهودية الخبيثة.
الخطاب الإعلامي الاسرائيلي لا يقفز في فراغ، بل هو تراكمي مدروس، ففي الثلث الأول من الصراع العربي- الاسرائيلي بنت اسرائيل خطابها على لفظة» المخرب الفلسطيني»، إلى أن برز مصطلح الإرهاب وتعمق، فاستخدمت مصطلح «الارهابيين الفلسطينيين»، وهي الآن ركبّت سياستها الإعلامية المتسلسلة على إرث عالمي إعلامي ضخم ومخيف، وهو «الإرهاب الداعشي»، ومعنى ذلك أن «حماس» تشكل تهديدا وجوديا للعالم وليس لـ «إسرائيل» فقط، ومن هنا يأتي الاستثمار في هذه الثيمة دون غيرها قدر المستطاع، وما ذكرناه هو على الأقل المحطات الرئيسية الثلاث في اس?راتيجية العدو الإعلامية.
دولة الاحتلال لعبت تاريخيا دور الضحية لاستعطاف العالم وتبرير سلوكها الإجرامي، فسعت إلى تأطير شرعية زائفة من خلال بيئة مشحونة بـ «الخوف على مصير الأقلية اليهودية في وسط عربي يريد إبادتها»، فكلما استطاعت أن تضخ الخوف في شرايين دول العالم زاد موقفها حدة ضد العرب والمسلمين، باعتبارها رأس الحربة الذي يحرس القيم الحضارية في «وسط عربي ظلامي استبدادي».
وليس غريبا أن المواطن الغربي أسير للآلة الإعلامية الغربية والذي يمتلك اللوبي الصهيوني كثيراً منها، فتتلاعب بعقله كيفما شاءت في ملعب فارغ تجول فيه وحدها دون أدنى وجود عربي، وهذا يشمل جميع الوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية بما فيه أفلام السينما التي تصور الاسرائيلي على أنه «ضحية لا حول لها ولا قوة تعيش جحيما لا يطاق، بانتظار الموت والقتل»، فهو يعيش «تحت رحمة صواريخ حماس والقسام».
على الرغم من تصدع رواية العدو «حماس هي داعش» إلا أننا لا نرى رواية عربية تزاحم رواية «إسرائيل» في الإعلام الغربي، وما وصلنا إليه من واقع إعلامي مؤلم ليس صدفة، بل هو نتيجة استثمار دولة الاحتلال في الإعلام اليهودي المنتشر في جميع الدول الغربية، بمليارات الدولارات، في حين أننا - العرب - نطلق الرصاص على أحصنتنا.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-10-2023 08:33 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |