19-10-2023 09:30 AM
بقلم : د. صلاح جرّار
لا يخفى على أيّ عربيّ من هو الآخر الذي يمثّل االنقيض الكامل لذاتنا العربيّة، وهو من دون أي شكّ من يحتلّ أرضنا ظلماً وعدواناً ويمارس ضدّنا جميع أنواع القهر والإذلال والإساءة، ثمّ يأتي بعده في الترتيب من يدعم هذا العدوّ المحتل، وتتحدّد درجة تناقضنا مع الداعم طردّياً بمقدار ما يقدّم من دعم لهذا العدوّ، إلى أن نصل إلى درجة لا يعنينا فيها هذا النقيض ما دام لا يعادينا ولا يقدم الدعم لمن يعادينا، وفي هذه الحالة نحكم عليه بقاعدة (لكم دينكم ولي دين).
وما دام الآخر الذي يمثّل النقيض التامّ لنا والذي يترجم تناقضه معنا بالعدوان والاحتلال البغيض واضحاً كلّ هذا الوضوح ولا يحتاج إلى أيّ جهد لتمييزه عن غيره، فإنّ ممّا يجافي الحكمة والمنطق أن نبحث عن نقيضٍ آخر يناقضنا ولو مناقضة جزئية لكي نوجّه جهودنا لمواجهته وندير ظهورنا لنقيضنا الحقيقي الذي لا يختلف اثنان على معاداته لنا قولاً وفعلاً.
إنّ الانتقال في اتخاذ نقيض لنا من النقيض التامّ إلى نقيض غير تامّ التناقض يعني الانتقال من دائرة الأبعد (أي الآخر الأكثر تناقضاً وعداوة) إلى دائرة الأقرب (أي الذي تجمعنا معه جوامع مشتركة ولكن ليس إلى درجة التطابق).
وهذا البحث عن (آخر) أقرب يهدّد القيم المشتركة التي تجمع بيننا وبينه، وبالتالي نضطر إلى التنكر لبعض هذه القيم التي تخصّنا تحت ذريعة مواجهة هذا الآخر الذي اخترناه نقيضاً لنا والتصدّي له.
ويتمثل الخطر في مثل هذه السياسة أو هذه المواقف في تمهيد الطريق للبحث عن آخر نقيض لنا أقرب من الدائرة الثانية، فمثلاً قد نجعل بعض أصدقائنا من دول العالم من غير الآخر المعادي لنا قولاً وفعلاً وسرّاً وجهراً أعداءً جدداً لاختلافنا معهم في بعض السياسات أو الاعتقادات، ومتى فعلنا ذلك فإننا في المرحلة التالية قد نتخذ من دولٍ إسلاميّة تختلف معنا ببعض الثقافات والعقائد نقيضاً جديداً لنا، ومتى مضينا في هذا المسار فإننا قد نصل إلى اتخاد نقيض لنا من بني جلدتنا (العرب) فنعادي هذه الدولة العربيّة أو تلك وهذا الشعب العربي? أو ذاك بسبب الاختلاف في السياسات أو غيرها، وهذا أخطر ما يكون لأنّه يضعف علاقتنا بمن نشترك معهم في اللغة والعقيدة والتاريخ والثقافة وغيرها، ويقويّ عداوة النقيض الحقيقي الأصلي لنا.
ومتى وصلنا أو رضينا لأنفسنا أن يكون الآخر الذي يمثّل النقيض لنا بلداً عربيّاً وشعباً من بني جنسنا فإننا نكون قد بلغتا درجة عالية من الخطورة، لأنّ ذلك يهدّد المجتمع الذي ننتمي إليه وقد نصل إلى درجة البحث عن آخر نقيض لنا داخل مجتمعنا، وهذا يهدّد بانهيار المجتمع وتصدّعه، إلى أن نصل إلى حالة يبحث كلّ واحد منّا عن آخر نقيض له داخل ذاته مما يؤدي إلى تحطّمه وضياعه.
إنّ من أخطر ما تعاني منه الأمّة العربيّة في هذه الأيّام تفاقم العدوان الذي يمثّله الآخر النقيض التامّ لها تفاقماً عظيماً واشتداد ثأثيره عليها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وأنها في الوقت ذاته ما زالت تنزلق نحو البحث عن آخر نقيض لها من الدول الصديقة أوّلاً ثم من الدول التي تجمعها بها عقيدة مشتركة ثم الدول العربية، وانزلقت بعض البلدان العربيّة إلى البحث عن الآخر الداخلي بدوافع عرقية أو دينية أو مذهبية أو غيرها.
لقد آن الأوان بعد كلّ ما تبيّن لنا من شراسة عدوّنا وهمجيته أن نعود إلى حكمتنا ومنطقنا ورشدنا ونعمل بها على تحديد الآخر الحقيقي النقيض لنا كي نعمل على مواجهته ونفرّغ أنفسنا بعد ذلك للبناء والنهضة والتقدّم وتحقيق العيش الكريم.
Salahjarrar@hotmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-10-2023 09:30 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |