19-10-2023 12:29 PM
بقلم : رايق المجالي /ابو عناد
الدولة هي كيان سياسي ينشأ اذا وجدت عناصر الدولة (إقليم، شعب، سلطة) وهو كيان قد ينشأ في لحظة تاريخية ما بأن تحدد بقعة جغرافية يعيش عليها بشر وتكون لسلطة مسؤولية أو شرعية حكم البقعة الجغرافية ومن يعيشون عليها وقد يكون الشعب الذي كون عنصر الدولة خليط من الاعراق تجمع ووجد على هذه الجغرافيا أو جلب إليها بهجرات طوعية أو قسرية.
بينما الوطن مفهوم يشبه مفهوم الدولة من حيث وجود العناصر ذاتها (إقليم، شعب، سلطة) ولكن الإختلاف الجوهري هو في طبيعة الشعب حيث يكون هذا الشعب أو السكان في هذه الجغرافيا قد وجدوا واستقروا على مر زمان طويل جدا ويكون في الغالب العرق المكون واحد وإن اشتركت اعراق في سكن بقعة جغرافية فتندمج هذه الاعراق إلى حد تطابق الثقافة والشخصية العامة فتنشأ الصلات الوثيقة وتختلط بالتزاوج وتنشأ عادات واعراف واحدة ويتفق المجتمع على مباديء معينة تكون هي الدستور أو القانون الأساس لهذا المجتمع، وكل هذا ينشأ ارتباطا بالجغرافيا وتضاريسها وما يمر عليها من أحداث فتنشأ رابطة معنوية مع الأرض بتفاصيلها وتضاريسها وتنشأ الروابط المعنوية والحسية بين السكان أي فئات الشعب فتنسجم الصورة العامة وتتحدد ملامح شخصية عامة وثقافة عامة لهذا الشعب فيصبح الفرد أينما ذهب تستطيع معرفة إلى أي الأوطان ينتمي من ملامح شخصيته وأحيانا من مجرد النظر للفرد فكل ما مر من انسجام وتوافق وروابط ينتج عنه تشابه في الشكل حتى دون وجود روابط دم.
فالدولة كيان مادي بحت وهو تلك الحدود التي يتجمع فيها اعداد من البشر ويعيشون في نطاق تلك الحدود وتتحكم بهم سلطة امتلكت القوة والقدرة على السيطرة على هذه الحدود ومن هم داخلها، فيكون من يعيشون في هذه الحدود مجرد سكان لا يضير الأفراد أو المجاميع أن يغيروا مكان سكنهم إلى جغرافيا أخرى اذا توفرت متطلبات الحياة للإنسان من مأكل ومشرب ومسكن وقطعا قد يأتي هجر هذه الجغرافيا طوعيا وبقرار سهل وسريع لأن ارتباط إنسان هذه البقعة فقط بمأكله ومشربه وأسباب الحياة.
إنما ما يكون وطنا فهو ما ارتبط به الإنسان معنويا وتكون الرابط نفسي المعنوي والوجداني بينه وبين الجغرافيا فصار هواء وأجواء وتضاريس هذه البقعة والجغرافيا أشياء لا يطيق الإنسان حياته دونها لأن تاريخ الإنسان على هذه البقعة هو الذي يعطي للهواء والأجواء والتضاريس طعما ولونا ورائحة تختص بها هذه الجغرافيا ولا يشعر بها ويتذوقها ويحسها ويلمسها إلا من ولد فيها من أجيال عاشت على هذه الأرض ودفنت فيها فأصبح التراب ليس مجرد جماد بل هو خلطة إنسانية ومادية فحفنة تراب من وطن شخص تعني له مكونات اسلافه وتاريخهم وملامحهم وأشكالهم وعاداتهم ومبادئهم واصواتهم وكلماتهم ورائحتهم، فإذا قبض عليها او لمسها إنسان فلديه الشعور الكامل بأنه يلمس إنسان هو والده أو أمه أو جده وجدته وأخيه وأبن عمه وإبنه، أي يقبض ويلمس كائنا حي هو مجموعة إنسانية.
ويترتب على الفارق بين الدولة والوطن أن إبن الدولة من السهل عليه ان يغادر حدودها وينتقل للعيش في مكان آخر ولأي سبب داخلي ذاتي أو خارجي بينما إبن الوطن فخروجه منه كخروج السمك من الماء لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة لأن أسباب الحياة تنقطع فيختنق ويموت.
وطبعا وقطعا فإبن الدولة بمواصفاته وأسبابه للحياة لا يمكن أن يضحي بشيء بسيط ويتنازل عنه من أسباب حياته من أجل البقاء والتمسك بجغرافيا وحدودها لأنها مجرد سبب للعيش وهو السكن.
أما إبن الوطن فيتنازل عن كل أسباب حياته حتى يبقى على هذه الجغرافيا فوقها أو في باطنها فهو لا يرى أنه إنسان خارجها حيا أو ميتا وللموت عليها طعم لذيذ بينما العيش على غيرها لا طعم ولا مذاق له بل سبب للموت.
والأمثلة حاضرة فأمريكا دولة أنشأت من مهاجرين ومنفيين من بلاد أخرى وتكونت سلطة تحكم حدودا جغرافية شاسعة فتكون مجتمع مادي الرابط بين السكان وهذه البقعة هو توفر سبل الحياة واسبابها فلا يوجد في وجدان من استوطنوها ارتباط وجداني وفقط هناك ارتباط مادي، فحتى جنود هذه الدولة في قرارة أنفسهم هم يدافعون عن حياة وسبل العيش ويريدون الحفاظ على هذه الحياة التي وجدوا فيها راحة أو امانا أو ترفا، فهم مرتزقة في الحقيقة وليسوا جنودا لأنهم يدافعون لقاء توفر مقابل هو ترف العيش لذلك فهم يقتلون لأنهم لم يستطيعوا تجنب الموت والفرار منه ولأن طلبهم للحياة وضعهم في موقف مقاتل لذلك ففي الثقافة الأمريكية لا تجد مفهوم الشهادة، حتى انهم يستهجنون المعنى لهذه المفردة.
وقطعا ربيبتها إسرائيل التي كانت مجموعة عصابات كونت قوة سميت جيش اغتصبت جغرافيا هي وطن لغيرهم من الشعوب فجلبت إليها سكان من عرق هو احط الاعراق وجمعتهم فكونت دولة ووفرت الأسباب المادية لهؤولاء السكان ليعيشوا ترف الحياة على حساب كل ما شكل وطن غيرهم لذلك الشعب الذي اغتصبوا هذا الوطن منه.
وعلى هذا فالمثالين (أمريكا وإسرائيل) في ثقافتيهما لا تستوعبان معنى (وطن) وفقط تعرفان مفهوم (الدولة) المادي وتعتقدان أن خلع شعب من جذوره ووطنه ورميه أو زرعه في جغرافيا أخرى هو أمر طبيعي وممكن، لذلك دائما القضية بالنسبة لهما (قضية شعب يبحث عن جغرافيا ليعيش عليها يأكل ويشرب ويمارس غرائز الإنسان والحيوان) وهم لم يكفوا عن البحث عن جغرافيا أخرى ليرسلوا ما يرونه مجرد مجاميع بشر إليها لتخلص لهم الجغرافيا التي اغتصبوها وهم يعتقدون أنهم بذلك يحلون مشكلتهم ويعتقدون أن حلولهم هذه ممكنة التطبيق لأنهم لا توجد لديهم ذرة من فهم وإحساس معنى ارتباط شعب بأرض ومعنى (وطن).
لهذا فأنا لا اعترض على ثقافتهم بل انا سعيد بأنها كذلك لأن هذا يجعلهم من الغباء بحيث لا يدركون للآن ولن يدركوا أن زرع شجرة في المحيط والبحر مستحيل وأن دق الاوتاد في البحر والماء وبناء خيمة أيضا مستحيل وكل ما هنالك فهذه الشجرة وهذه الخيمة فقط ستطفوان على السطح لزمن محدد لا ثبات لهما وستبقى حركة أمواج البحر تتقاذفهما إلى حين ثم وفي النهاية الحتمية ستلقي بهما إلى اليابسة وتقذفهما على شاطيء لتأكلهما الطيور والقوارض والزواحف والحشرات على تلك اليابسة.
لذلك فالمريح في القضية أن هذا الإحتلال وهذا الكيان وهذا الصراع قد نشأ شاذا وخارجا على نواميس الكون ولا يوجد سبب واحد لديمومته وزواله نتيجة طبيعية وهذا إيمان وقناعة وحقيقة ثابتة يصل إليها الإنسان - أي إنسان - إستنادا لأي نظرية أو منطق أو فلسفة.
ابو عناد.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-10-2023 12:29 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |