01-11-2023 12:34 PM
سرايا - إعداد : المعلمة سيرين عبد العزيز علي الوادي - في الثالث من آب عام 1914 أعلنت الدولة العثمانية حالة التعبئة العامة (السفربرلك ) ،فيما نشرت مؤسسة الخلافة فتوى الجهاد ،التي لقيت تأييدا كبيراً من قبل المسلمين، حيث بدأ شبابهم و رجالهم بالتوافد إلى الدوائر العسكرية في البلقان والشرق الاوسط والقوقاز وشمال افريقيا وشبه الجزيرة العربية ،فضلا عن وصول أعداد كبيرة من المتطوعين لمناطق كثيرة من العالم الاسلامي .
ذهب معهم أجدادنا الأوائل ـ خمسة أخوان ـ من قرية زوبيا في المزار الشمالي (الأردن) غادروا عن طريق محطة القدم في سوريا.
وهم جدي وادي المصطفى واخوانه الأربعة حمدان،عبدالله وحسن ومن جهة العراق أخوهم حسين المصطفي .
خرج إلى هذه الحرب من أبناء القرية الشرفاء أيضاً الحاج صالح و الحاج حسين رحمهم الله جميعًا.
الاخوان الثلاثة لجدي وادي المصطفى (حمدان،عبدالله وحسن ) لم يعودوا من تلك الحرب حيث شاركوا في حملة رومانيا (الحرب العالمية الاولى) .
وكانوا في عداد المفقودين ولم يُعرف مصيرهم لغاية الآن هل هم أحياء؟ وعاشوا في تلك المنطقة أم استشهدوا في رومانيا
أو تركيا غير معروف !!
أما أخ جدي وادي المصطفى الحاج حسين المصطفى ذهب إلى الحرب من جهة العراق منطقه الموصل؛ للسفر بالقطار.
إلى تركيا فوجد القطار معطلا عن العمل ،فعاد إلى الأردن سيرا على الأقدام حيث عاش مع ذرية كبيرة له في قريه زوبيا.
أما الحاج صالح، أمره أحد الضباط الأتراك ـ والذي كان من أصول عربية يمنية ـ أن يوصل المتفجرات للجبهة إلا أنه رفض الأمر، وحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص. لكن عناية الله كانت في سؤال الضابط له ، من أين أنت ؟
أجابه أنه عربي من الأردن ،فخفف عنه الحكم من الإعدام إلى السجن، حيث تم سجنه في حصن Castle ) Cimenlik ) في منطقة ـ جنق قلعة ـ شبه جزيرة غاليبولي.
أما الحاج حسين حارب في حملة رومانيا، حيث روى لنا أنه رأى بعينه اخوان جدي وادي الثلاثة يحاربون بشجاعة .. فقال لنا أنّه كان يحارب بالرشاش (متر لوز) فوصلت لهم أفواج الجنود الروس،
فأوشك على الموت، اختبأ بين القتلى ووضع الدم على جسمه ليتضح لهم أنّه ميت ،حيث كان الجنود الروس يدوسون فوق الجثث لأعدادها الكبيرة ،فتراجع عن المعركة شيئاً فشيئاً وانسحب عائدا متتبعا سكه حديد القطار لتعيده إلى المكان الذي أتى منه، فعاد إلى قريته زوبيا ليجد أهل زوجته .
يريدون تزويجها من رجل آخر معتقدين أنه مات في الحرب، بعد أن مضى على غيابه أربع سنوات عاد ل اسرته لتكوينها من جديد.
أما قصة جدي وادي المصطفى مختلفة قليلاً.....بعد أن رأى أنّه لن يعود من تلك الحرب وأن الموت يحاصره من كل الجهات وخوفه الشديد على أولاده وزوجته
الشابة ،لمن سوف يترك عائلته !!؟ قبل أن يصل القطار الى ـ جنق قلعه ـ منطقة جاناكالي حالياً في تركيا .
كان صراع الأفكار داخل رأسه قوي وعنيف...القى برأسه الى الخلف متكأً على باب عربة القطار، وإذ به يغفو ليسقط من القطار مغشياً عليه، ومن قدر الله أن تكون تلك الغفوة غفوة نجاته من الموت المحقق. لم يشعر بالمدة الزمنية التي بقي فيها فاقداً للوعي.
عندما أفاق كان وقت الغروب ،أدرك الجهة التي جاء منها القطار ،فتتبع سكة الحديد يسير في الليل و يختبئ في النهار ،وصف الجسر الذي شاهده في
مدينة اسطنبول قال : يفتح الجسر عند عبور السفن و يغلق؛ ليسير الناس فوقه، في ذلك الوقت لم يصدقه أحد.
كانت الأماكن البعيدة عن الناس مخبأ له ويمشي في الطرق الفرعية الجانبية لسكة القطار، يبحث عن أي شيء يأكله. فكان يسير في الليل ويختبئ في النهار.
وصل بعدها إلى المناطق الجبلية في جبال طوروس (الأناضول) وفي أحد الأيام وهو يمشي أدركه النهار فأخذ يبحث عن مخبأ ،حتى لا يراه أحد ويعرف أنه عربي ويعتقد بأنه فار من الحرب ويواجه عقوبة الإعدام.
فإذا بكهف (مغارة) اختبأ فيها ،إلا أنه وجد في إحدى زواياه كائنين صغيرين مازالت رضيعة الأم ، ينظرلهما وينظران له، وأخذ يطعمها ما لديه من الخبز اليابس والصغار تأكل.
عندما طلعت الشمس مقدار رمحين في السماء وأصبح الضحى واضحا ،وإذا بكائن غريب عملاق يدخل من باب الكهف غاضبا ،لونه أسود أوصافه كوصف الإنسان مكشرا عن أنيابه !!
وأقرب كائن لما وصف جدي كان الغوريلا.
أخذ جدي وادي يدعو الله أن ينجيه ،لأنها سوف تمزقه '،ربما كان هذا الكائن هي الغوريلا التي تفهم طباع الإنسان. فعندما تفقدت صغارها وجدتها سليمه شبعه ، تجولت في أنحاء الكهف وهو مستسلما رافعا يديه إلى السماء، متوقعا هجوما منها !!
جلست الغوريلا أمام أبنائها تنظر إلى صغارها ثم إليه. أما جدنا وادي قد تجمد الدم في عروقه ولسانه تيبس في حلقه ينتظر مصيره الموت المحتم!! بين يدي هذا الكائن الغريب الذي لم يراه ولم يسمع عنه من قبل. قال: ان الساعات مضت كأنها سنوات) ينتظر غروب الشمس حتى يتابع المسير.
فعندما حل الظلام أراد الخروج من الكهف ، ولكن كيف ؟وكيف يستطيع الوقوف على قدميه ؟ كيف يتحرك ؟
خوفاً أن تقفزالغوريلا الأم في وجهه و تمزقه !! أخذ يستسمحها ويشير لها بيديه بأنه يريد الخروج من الكهف!!
من رعاية الله له أن هذا الكائن الغريب بدت عليه ملامح الهدوء…
أخذ يزحف قليلاً نحو الباب…. حتى أدركه وهي لم تتحرك من جانب صغارها يشكرها ويلوح لها بيديه، واستمر في ذلك حتى خرج من باب الكهف .
أدرك عندها أنه بأمان إلا أنه عند خروجه أمتار قليله خرجت الغوريلا خلفه !!
وعاد له شعور أنه بخطر ، مشيرا لها بالعودة إلى صغارها حتى ابتعد أمتارا قليله ،ينظر لها وينظر أمامه.
أخذت تتبعه ببطء ،كأنها انسان قد فهمت ما به من خوف وجوع وعطش. بحث عن طريق فرعي أو أي شيء يأكله فأشار لها بيديه أنه يريد الماء، فمشت ناظره له أنها تريد أن يتبعها.
مشى جدي خلفها بحذر شديد وخوف كبير ،وسارت الغوريلا في ممر ضيق ،فجاءت به الغوريلا إلى نبع صغير، ومن شدة العطش ألقى رأسه في الماء.. فإقتربت منه الغوريلا ورفعت رأسه بيدها.
إلا أنه عاد ورما برأسه في الماء مرة ثانية ،فعادت للمرة الثانية ورفعت رأسه.
لقد شعرت ما يعاني. أخذ الوعاء الذي لديه وملأه بالماء وشكر الله عز وجل أن بعث له هذا الكائن الغريب.
ابتعد عنها وسار بضعه أمتار عادت ولحقت به ،وهو يريد التخلص منها . اتضح له بعدها أنها كانت خائفة عليه لا منه!!
استمرت معه في المسير لمسافة هو لم يعرفها ،فجأة .. اختفت الغوريلا!!
أكمل المسير في سلسلة جبال طوروس سيرا على الأقدام متتبعا السكة الحديدية.
وصل إلى حلب ،حمص ،حماه ، محطة القدم وعاد إلى درعا ثم الرمثا ،اربد فالمزار الشمالي إلى قريته زوبيا بعد أن مضى أربعة أشهر ونصف على رحلته.
حمد الله عز وجل بعد هذه الرحلة الطويلة الشاقة والمخيفة ،وجد ثلاثة من اخوانه لم يعودوا من تلك الحرب ومازال مصيرهم مجهول لغاية الآن.
كان جدي وادي المصطفى أكبر اخوانه وتوفي عام 1953.
روى هذه الحكاية لولده الأكبر الحاج علي الوادي ومنها إلى أبنائه ومنهم الأستاذ عبد العزيز علي الوادي الذي رواها لي .
رحم الله هذا الرجل المكافح من أجل الحياة والعائلة. ورحم أمواتنا وأموات المسلمين أجمعين وأتمنى أن يعم السلام في أرجاء العالم كافة .
إعداد :المعلمة سيرين عبد العزيز علي الوادي.
المنسق : ندى ومحمود عبد العزيز علي الوادي.
بإشراف :الدكتور محمد عبد العزيز علي الوادي.
المراجع : 1ـ الدولة العثمانية عوامل النهوض واسباب السقوط .للمؤلف :علي محمد الصلابي ( الجزء الأول)
- قرية زوبيا ـ المزار الشمالي.
- جنق قلعة - تركيا
- خريطة سكه حديد الدولة العثمانية
- منطقة معركة جنق قلعه - تركيا
- النصب التذكاري للشهداء في جنق قلعه
- محطة سكة قطار الموصل (العراق)
- حصن (Cimenlik Castle)
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-11-2023 12:34 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |