11-11-2023 08:17 AM
سرايا - باتت العربات التي تجرها الحيوانات هي وسيلة المواصلات الأكثر استخداما في قطاع غزة بعد أن توقفت الغالبية العظمى من السيارات، بسبب نفاد الوقود، في مشهد أعاد الفلسطينيين نحو 50 عاما إلى الوراء.
في بداية أيام الحرب، حين كانت المواصلات شحيحة، وبالكاد يستطيع الساكن في قطاع غزة ركوب سيارة ودفع أجرة مرتفعة جدا، خاصة من شمال القطاع إلى جنوبه، كان الكثير من السكان يسيرون على أقدامهم ويقطعون مسافات طويلة سواء طويلة أو قصيرة.
وللتغلب على أزمة المشي المتعبة كثيرا لكبار السن، والتي تحتاج أيضا لوقت طويل، لجأ شبان وفتية إلى تخصيص العربات التي تجرها الحيوانات، سواء الحمار أو الحصان، للقيام بهذه المهمة، مقابل أجر مادي.
الحيوانات بدل السيارات
في مراكز مخيمات المناطق الوسطى بقطاع غزة، وكذلك في مدينة خانيونس، بدأت تلك العربات تقف في المكان الذي كان مخصصا قبل الحرب للسيارات، وهناك ينادي أصحابها بصوت مرتفع على الوجهة التي يسير إليها، لحمل السكان.
ويقول الشاب أحمد الذي يعمل في محل تجاري بمدينة خانيونس، تواصلت معه “القدس العربي” إنه كان يلاحظ في بداية عمل تلك العربات، أن ركابها كانوا في الأغلب من كبار السن والنساء، غير أن مواطنين من كافة الأعمار وفي مقدمتهم الشبان، بدأوا يستخدمون هذه الوسيلة للمواصلات.
ويشير إلى أن الكثير خاصة من سكان المناطق البعيدة عن مركز مدينة خانيونس يستقلون هذه المواصلات بعد العودة من السوق.
وفي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، يقف شبان يملكون تلك العربات في وسط السوق المركزي، ويصدحون بأصوات عالية على وجهتهم، فينادي أحدهم “الزوايدة أو المخيم أو دير البلح”، وهذه مناطق يقع بعضها على أطراف النصيرات وأخرى خارجه، ويضطر سكان تلك المناطق للوصول إلى سوق النصيرات المركزي للتسوق، فيما يضطر سكان المخيم للذهاب مثلا إلى مدينة دير البلح، مركز المنطقة الوسطى، للوصول إلى المشفى المخصص للسكان في المدينة وهو مشفى شهداء الأقصى.
أحد الشبان الذي وضع فرشا من القماش على عربته التي يجرها حصان، يقول إنه قبل الحرب كان يعمل في نقل مواد البناء من حجارة وإسمنت وغيرها من المستلزمات، من السوق إلى أي مكان في المخيم.
ويشير هذا الشاب إلى أنه يوجد للعربات التي تجرها الحيوانات مكان مخصص معروف لجميع السكان يقع على أحد أطراف السوق، غير أنه وغيره من الشبان والفتية الذي يملكون تلك العربات، تركوا تلك الزاوية ويقفون في وسط السوق المركزي، وتحديدا في المكان الذي كان مخصصا لسيارات الأجرة، بعد أن أصبحت عرباتهم هي وسيلة النقل الأساسية في هذا الوقت.
ويوضح أيضا أن الأمر في بدايته كان لا يلاقي قبولا من غالبية السكان، الذين لم يعتادوا على هذه “الركوبة” حسب وصفه، فيما بدا الأمر عاديا للكثير من المواطنين.
ويلاحظ أن العربات التي تجرها الأحصنة التي تسير بشكل أسرع من تلك التي تجرها الحمير، تحمل السكان إلى المناطق الأبعد وخاصة مدينة دير البلح، فيما تحمل العربات الأخرى السكان إلى المناطق التي تقع في محيط المخيم.
ويقول محمد جبر، وهو شاب في منتصف الثلاثينات، إنه وقف ينتظر مرور سيارة تقله من مخيم النصيرات إلى مشفى دير البلح، للحصول من هناك على علاج لأحد أطفاله، لأكثر من ساعة دون أن يجد أي سيارة، وإنه اضطر في النهاية لركوب إحدى تلك العربات.
ويشير محمد لـ “القدس العربي” الذي التقته وقد قفز لتوّه من على ظهر العربة، عائدا من دير البلح، إلى أنه في السابق كان يقطع المسافة راكبا سيارة في أقل من 10 دقائق، فيما يقطعها حاليا في نحو 40 دقيقة.
وفي موقف العربات، ساعدت سيدتان امرأة مسنة، يفوق عمرها 65 عاما، على ركوب عربة، وقالت إحداهن وتدعى سامية، إنهن قدمن من بلدة الزوايدة للتسوق، ولم يقدرن على العودة مشيا، فاضطررن لركوب العربة.
تبديل دور العمل
أما صاحب العربة ويدعى سميح، والذي كان يعمل أيضا في مهنة النقل، سواء أثاث المنازل أو الأدوات الكهربائية، إن أحدا لم يعد يطلب منه القيام بذلك، فاضطر من أجل الحصول على قوت يومه، استخدام العربة في نقل السكان.
وهذا الشاب يكرر العملية عدة مرات في اليوم، يتخللها إراحة الحيوان الذي يجر العربة، لإطعامه وسقايته الماء، وقبل حلول الظلام يعود إلى منزله. ويقول لـ”القدس العربي” إنه كغيره من الركاب يسيرون في رحلة الذهاب أو العودة، ولا يعرفون إن كانوا سيصلون إلى وجهتهم أم لا، في ظل القصف الإسرائيلي.
ويضيف: “يمكن (ربما) يكون في قصف لمنزل تمشي من قدامه (أمامه)، أو يسقط صاروخ في الشارع”.
واضطر مواطنون لنقل مصابين على تلك العربات، كما قامت أسر بسبب عدم توفر السيارات، بنقل جثث الشهداء إلى المقابر، كما لجأ التجار أصحاب مخازن البضائع الذين يوزعونها على المحال التجارية، إلى استخدم هذه العربات في عملية التوزيع، بدلا من شاحناتهم التي توقفت بفعل نفاد الوقود.
وتُرى هذه العربات وهي تحمل البضائع وتنتقل من دكان لآخر وسط الأحياء السكنية، وعربات أخرى تنقل المياه المخصصة للشرب والمتوفرة بكميات قليلة، وذلك عبر جالونات ترص جنبا إلى جنب على ظهر العربة، بدلا من الشاحنات الصغيرة التي كانت تقوم بهذه المهمة قبل الحرب.
وقد كان هذا الأمر سائدا في قطاع غزة، قبل أكثر من 50 عاما، حين بدأ السكان بالاعتماد على السيارات في التنقل والحركة.
حركة صعبة بين المدن
لكن هذا الأمر لا ينطبق على السكان الراغبين بالتنقل بين محافظات وسط وجنوب قطاع غزة، حيث يصعب هذا الأمر ويقتصر على الحالات الضرورية جدا.
وفي مثل هذا الوضع، يضطر من يريد التنقل مجبرا، أن يدفع ثمنا مرتفعا لصاحب المركبة، وفي بعض الأوقات يطلب أصحاب المركبات أن يوفر لهم الشخص الذي يريد التنقل، كمية من الغاز للسيارة إن كانت تعمل بهذا النوع من الوقود، أو كمية من الديزل.
وبسبب صعوبة المواصلات بين المحافظات والمدن، جرى تشييع جثامين شهداء، دون أن يتمكن أشقاؤهم وأقاربهم، من المشاركة في الوداع الأخير والتشييع.