13-11-2023 02:20 PM
سرايا - سناء عثمان - حدث أن ولد في غزة عدد من الأطفال أيتاماً. فقد وصلت إلى المستشفيات شهيدات حوامل، تمكن الأطباء من إنقاذ جنينها. رضَّعٌ آخرون حياتهم بخطر، إذا انقطعت الكهرباء عن حاضناتهم الاصطناعية، فيما يُرتَقَب أن تلد 5,500 امرأة خلال الشهر الحالي، من أصل 50 ألف امرأة حامل، داخل القطاع المُحاصَر، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.
وباتت تأثيرات العدوان الصهيوني على صحة النساء الحوامل في قطاع غزة خارج نطاق الإنسانية. فاستمرار العدوان على القطاع للأسبوع الخامس، خلّف أوضاعًا كارثية على المستويين الصحي والإنساني. في ظل نفاد مخزون الأدوية، ومنع دخول الوقود والاستهداف المتكرر للطواقم الطبية، أصبح وضع القطاع الصحيّ في غزة كارثيًا.
وطال قصف قوات الاحتلال مستشفى الحلو الدولي المتخصص في عمليات الولادة ورعاية ما بعد الإنجاب، فدمّره بشكل كامل، بينما كان بداخله نساء حديثات الإنجاب، بصحبة مواليدهنّ.
النساء الحوامل لا يواجهن القصف فقط، بل يرافقهنّ خطر الموت بعد توقف خدمات الرعاية الصحية. بالإضافة إلى توقف التدخلات المنقذة لحيات النساء وأطفالهن، وصعوبة الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية داخل المستشفيات والمرافق الصحية.
“أخاف يحين وقت ولادتي والأوضاع لم تتحسن. ممكن بسبب الأوضاع الصعبة، أضطر للولادة القيصرية، ومافي بنج في المشافي. كيف بدي يصير فينا؟”
حوامل بين الحصار والقصف
هذا الوضع يشكّل كارثة إنسانية وصحية تهدد آلاف النساء الحوامل، مع وجود أكثر من 52 ألف امرأة حامل في غزة محاصرات حاليًا. ووفقًا لتقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان، ستلد حوالي 160 امرأة يوميًا وسط وضعٍ إنسانيّ كارثي خلّفه القصف الإسرائيلي، إذ تواجه هؤلاء النسوة تحديات بالغة للحصول على خدمات الولادة الآمنة، في ظل اكتظاظ المستشفيات بالمصابات/ين.
كما تعاني المستشفيات من نفاد الأدوية والإمدادات الأساسية – بما في ذلك إدارة حالات الولادة الطارئة. فهؤلاء النساء معرضات للخطر، بفعل الوضع الصحي المتدهور، وتصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي على غزة.
هذا القصف المستمر، وانعدام الخدمات الصحية وتفاقم مستويات الإجهاد والقلق لدى الحوامل، قد يؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض والمضاعفات الصحية. يشمل ذلك الولادات المبكرة وزيادة معدل الوفيات.
لا يوجد مكان آمن في غزة والقصف في كل مكان
“أنا رواء امرأة فلسطينية أعيش في شمال غزة مع زوجي وأولادي. أنا حامل في الشهر الثامن، وأعاني من دوالي ومشاكل صحية. نواجه خطر الموت كل لحظة بسبب هجوم إسرائيل، التي تقصف منازلنا ومستشفياتنا ومدارسنا بلا رحمة. لا نجد كهرباء أو ماء أو طعام أو دواء، ولا نجد أملاً في الحياة”. بتلك الكلمات بدأت فدوى حديثها مع “شريكة ولكن”.
تقول رواء بصوتٍ ملؤه الألم والغضب والخوف، “طلبوا منا إخلاء منزلنا عدة مرات، لكننا نرفض الخروج. فلا يوجد مكان آمن في قطاع غزة، والقصف في كل مكان، حتى أن النازحات/ين يتم قصفهن/م. نسيت أنني حامل وأكره وضعي الحالي، ولا أستطيع الذهاب إلى الطبيب أو أخذ الأدوية.
فكل المستشفيات القريبة قُصفت وخرجت عن الخدمة. بيرموا علينا فسفور أبيض سام جدًا وخطير. أخاف على جنيني من هذا الغاز الذي يمكن أن يسبب له إعاقات مزمنة، إن لم يتسبب في موته. أفكر في الموت كل لحظة”.
تصف رواء الحالة المروعة التي تعيشها وعائلتها وقت القصف. “في إحدى مرات القصف الشديد من جانب قوات الاحتلال، كنا بمنتصف الليل، صار الكل يهرول بالشوارع. صرت أصرخ: حدى يلحقني! أنا ولادي نايمين، وما اقدر أحملهم لحالي وأنا حامل بالشهور الأخيرة. ارتفع صوت صراخي حتى سمعني أخي، وعاد وحمل ابنتي وأنا حملت ابني، وصرنا نجري بالشارع مدري لوين رايحين.
ضلينا نستخبى بعد أكثر من نصف ساعة متواصلة من القصف. ومن وقتها، أعاني آلامًا شديدة أسفل الظهر والبطن. توقعت إني بجهض، ولم أتمكن من الذهاب إلى المستشفى. الوضع بالمستشفيات مزرٍ، كما أنني لم أحصل على أدويتي منذ بدأ القصف، وما أدري شو وضع الجنين”.
“اليوم بحكي معكِ، يمكن كمان ساعة تسمعي خبر استشهادي!”
حمل تحت التهديد بالموت
من جانبها، أوضحت مريم عمرو، باحثة الماجستير وعالمة التكنولوجية الحيوية بقسم الوراثة جامعة القاهرة، أن “النساء في قطاع غزة يعانين من ظروف معيشية صعبة، بسبب نقص الأدوية والمياه والخدمات الطبية”. وأضافت أن “ذلك يزيد من خطر التعرض للأمراض الفطرية والجنسية والإنجابية”.
وتقول إن “أغلب الطبيبات/الأطباء في القطاع يعملن/ون حاليًّا بأقسام الطوارئ والعناية المركزة. حيث لا تتوفر الخدمات الصحية اللازمة بقسم النساء والتوليد، ناهيك عن نقص الأجهزة الطبية اللازمة لمتابعة الحمل. فكل ذلك يهدد الصحة الإنجابية للنساء في غزة”.
كما أشارت إلى أن “الفسفور الأبيض يسبب فشل أعضاء الجسم، مثل القلب والكلى حال وصوله لها. فضلاً عن أن استنشاقه يؤدي إلى تهتك القصبة الهوائية، ما يعرّض الحوامل والأجنة لخطر الموت”.
وأضافت مريم عمرو أن “التغذية المناسبة غير متوفرة للسكان بشكلٍ عامٍ، وللحوامل بشكلٍ خاص. يؤثر ذلك على الصحة العامة والمناعة، سيّما أنهن يعتمدن على النشويات، ما يشي بمشكلاتٍ صحيةٍ، مثل فقر الدم وضعف المناعة. والأخيرة تعرضهن لخطر الموت عند الولادة، وتعرض الأجنّة لمشكلاتٍ صحية قبل وبعد الولادة”. كما طالبت بـ”ضرورة توفير المساعدات الإنسانية للسكان على وجه السرعة، للحد من المعاناة”.
الأولويات الطبية خلال الفترة الجارية داخل غزة، هي أدوية الحروق بمختلف درجاتها، والمضادات الحيوية ومستلزمات العمليات وجبر الكسور.
كارثة إنسانية وشيكة تهدد النساء الحوامل
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يرتبط مفهوم الصحة الإنجابية بالعناية الصحية التي تقوم بها النساء خلال سن الإنجاب. يشمل ذلك العلاج والغذاء والرعاية، قبل وأثناء وبعد الحمل. ولم يعد الأمر مقتصرًا على فكرة تنظيم فترات الإنجاب فحسب.
في غزة، من المفترض أن تشمل خدمات الصحة الإنجابية رعاية النساء قبل الحمل وخلاله وبعده. كذلك يجب شمل مضاعفات حالات الإجهاض، والعناية بالمواليد الجدد. ويتعاون كل من صندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة الصحة العالمية، ووكالة “أونروا”، مع وزارة الصحة الفلسطينية لتقديم خدمات صحية للنساء.
في الظروف العادية التي لا تخلو من القصف والاستهداف بالقنابل، تتأثر النساء بتبعات النزاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أما حاليًا، وفي مجتمع القطاع، تواجه النساء تبعات جسدية ونفسية صعبة، مع غياب أدنى مقومات الرعاية الصحية.
وفقاً لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني، يعدّ فقر الدم (الأنيميا) من أكثر الأمراض التي عانت منها الحوامل والأمهات في فلسطين، خلال العام الماضي. وفي ظل الأوضاع المأساوية الحالية، فمن المتوقع ارتفاع نسبة هذه الأمراض، ما ينذر بكارثةٍ إنسانية لأكثر من 52 ألف امرأة حامل داخل القطاع.
حوامل على وشك الولادة.. دون رعاية صحية أو مستشفيات مجهزة
فدوى، هي واحدةٌ من حالاتٍ كثيرة لنساء حوامل يواجهن مخاطر صحية ونفسية وجسدية جرّاء انتهاكات العدو الصهيوني المتكررة. عدوٌّ لم يُنتظر منه يومًا الحدّ الأدنى من مراعاة المبادئ الإنسانية، لكثرة الشواهد التاريخية على انعدامها.
ففي الحي الذي تسكنه، تحكي فدوى عن حالاتٍ صعبة شهدتها. خصوصًا للنساء اللواتي يحتجن أدوية ورعاية صحية نتيجة العدوان، حيث يصعب توفيرها وقت الحرب. “عدد الحوامل بمنطقتي كبير، ابنة حماي هي أيضًا حامل بشهرها السادس، ورفضت النزوح. وبعض جاراتي الحوامل تعرضن للإجهاض القسري، نتيجة القصف المستمر”.
وتقول إن “كل تلك الحالات لم تحصل على أيّ من الأدوية الضرورية، لأن المستشفيات أوشكت على الانهيار”.
وتسرد “أخاف أن يحين وقت ولادتي والأوضاع لم تتحسن. فمن الممكن أن أضطر، بسبب الأوضاع الصعبة، للولادة القيصرية. ولا يوجد مخدّر (بنج) في المشافي. ماذا سيحصل لنا؟”.
أفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان أن الحوامل في غزّة يُجبرن على الولادات القيصرية دون تخديرٍ، ما يعرضهن إلى خطر إضافي بجانب خطر القصف.
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمؤسسة صناع الخير للتنمية، هاني عبد الفتاح، إنه “يتم التعاون مع الأجهزة التنفيذية المصرية. وذلك لتوفير المساعدات الإنسانية، والتنسيق مع الجهات السيادية المنوط بها التواصل مع الجهات المعنية داخل غزة لإيصال المساعدات”. وأوضح أن “المساعدات تشمل التبرع بالدم والأدوية والأجهزة الطبية، والمؤن الغذائية، ومساعدات أخرى متنوعة”.
أما عن الأدوية الخاصة التي ترتبط بالصحة الإنجابية للنساء، فأشار عبد الفتاح إلى أنه “لم يتم استثناء أي من الأدوية أو المساعدات، وذلك وفقًا لما يحتاجه القطاع”، مبينًا أن “الأولويات الطبية خلال الفترة الجارية داخل غزة، هي أدوية الحروق بمختلف درجاتها، والمضادات الحيوية ومستلزمات العمليات وجبر الكسور”.
كما يُرسل صندوق الأمم المتحدة للسكان أدوية وإمدادات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة إلى مصر ويتم تخزينها ونقلها عبر الحدود، عندما يكون ذلك ممكنًا.
مسؤولة أممية: سيدات حوامل في غزة في سباق مع الموت
ومن جانبها أعربت ليلى بكر المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في الدول العربية، عن بالغ القلق إزاء وضع 50 ألف امرأة حامل في قطاع غزة منهن 5,500 على وشك الولادة خلال الأسابيع القادمة.
تحدثت السيدة ليلى بكر، عن الجهود التي تبذلها الوكالة الأممية وشركاؤها لمساعدة النساء والفتيات في قطاع غزة.
وتقف وكالات الأمم المتحدة الإنسانية على أهبة الاستعداد على الحدود المصرية مع القطاع لإيصال المساعدات المنقذة للحياة.
وقالت السيدة بكر إن لدى الصندوق مواد طبية موجودة على الحدود مع كافة الشركاء بما فيها منظمة الصحة العالمية. وأعربت عن الأمل في أن يتمكن الصندوق من إيصال تلك المساعدات وتوزيعها، بشكل آمن، إلى المحتاجين في غزة في أقرب فرصة ممكنة.
يعمل مع صندوق الأمم المتحدة للسكان 29 موظفا في فلسطين، ثمانية منهم في غزة، "وهم يعيشون وضعا مزريا بعد أن تم إجبارهم على التوجه إلى جنوب القطاع الذي قالت ليلى بكر إنه "لا يوجد مكان آمن فيه".
وأضافت المسؤولة الأممية أن معظم هؤلاء الزملاء الإنسانيين في غزة- وعلى الرغم من أنهم عاشوا هذا الوضع مرارا وتكرارا- إلا أنهم لا يزالون يتحلون بالإصرار على العطاء والاستمرار في التعامل مع الشركاء في سبيل توزيع المساعدات الإنسانية.
واقتبست من إحدى موظفات الصندوق في غزة، وهي أم لطفل رضيع يبلغ من العمر تسعة أشهر، تعيش حاليا في أحد الملاجئ، حيث قالت: "لم يعد لدي دموع. يشعر طفلي بكل شيء وقد توقف عن الرضاعة الطبيعية".
وأشارت السيدة ليلى بكر إلى ما قالته سيدة حامل: "عندما كنت أهرب من القصف، كنت أشعر بأن كل خطوة كانت تبدو وكأنها سباق نحو الموت".
وأضافت السيدة ليلى بكر قائلة: "تصور في ذهنك امرأة تحاول الفرار مع أطفالها وجنينها بعيدا عن القصف، بعيدا إلى ما تعتقد أنه الأمان. وحتى هناك، لا يوجد أمان ولا ماء ولا طعام ولا يكاد يكون هناك مأوى لها".
وأعربت المسؤولة الأممية عن قلق خاص إزاء هذا الوضع، وطالبت، بشكل لا لبس فيه، بوصول المساعدات الإنسانية، دون عوائق، إلى غزة وتسليمها بأمان من خلال شركاء الصندوق على الأرض.
ومضت قائلة: "هذا هو الحد الأدنى المطلوب بموجب القانون الإنساني الدولي لحماية هؤلاء النساء وأطفالهن. علينا أن ننقذ تلك العائلات".
وتابعت المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان قائلة:
"باعتباري امرأة من أصل فلسطيني يؤذيني في صميمي أن أسمع من زملائي الأسى الذي يشعرون به في قلوبهم نتيجة هذه الظروف والنزوح القسري وترك كل حياتهم، ليس لأول ولا لثاني مرة. هم يطالبون أولا بفك الحصار والرجوع إلى أماكنهم وبيوتهم في القطاع والحفاظ على هويتهم الفلسطينية في أي خطوة تتخذها الأمم المتحدة أو العالم بشكل أجمع".
وطالبت السيدة ليلى بكر بفك الحصار عن غزة والالتزام بالقوانين الدولية وتوزيع المساعدات الإنسانية وحماية النساء وأطفالهن وعائلاتهن في خضم هذه الظروف.
“نفسي العالم كلها تحس فينا!”
يشكّل العدوان الصهيوني على القطاع انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقانون الدولي. فلا بدّ من إيقاف هذا العدوان فورًا، لحماية الشعب الفلسطيني، وخصوصًا النساء والطفلات/الأطفال في قطاع غزة.
ومع نزوح أكثر من نصف السكان، ازداد خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي. وذلك بالنسبة للنساء المتنقلات، بحثًا عن ملاذٍ في الملاجئ المكتظة والمفتقرة للخصوصية ومرافق الحياة الأساسية.
تفرض الأوضاع الكارثية في القطاع على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية التدخل العاجل، لوقف ذلك العدوان الغاشم. ويجب الانتباه إلى توفير الحماية والرعاية الصحية اللازمة للنساء الحوامل. وذلك ضمن ضرورة التحرك الفوري لتوفير المساعدات الطبية الضرورية للمستشفيات والمرافق الصحية داخل القطاع وخارجه، وضمان توفير الوقود اللازم لتشغيلها، وتسهيل وصول النساء الحوامل والأمهات والأطفال إليها.
“نفسي العالم كلها تحس فينا! نفسي اسمعك صوت القصف والحزام الناري والمدفعية! والله العظيم ما حد بغزة متوقع يطلع من هالحرب بخير! احنا متروكين بأمر الله! احنا عايشين بدون روح! كل اللي بتشوفونه عالانترنت شيء لا يذكر من اللي عايشينه! كل لحظة نتشاهد! إحنا كم شخص بغرفة مكدسين فوق بعض! اليوم بحكي معكِ، يمكن كمان ساعة تسمعي خبر استشهادي!”
رواء هي امرأة فلسطينية حامل بشهرها الثامن تحارب من أجل حقها في الحياة والحرية. هذه قصة واحدة فقط من آلاف قصص النساء الحوامل التي تروي مأساة الشعب الفلسطيني.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
13-11-2023 02:20 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |