14-11-2023 11:31 AM
بقلم : د. رانية اسماعيل
الأمراض النفسية تشتعل في الحروب والكوارث بسبب ما يمر به الشخص من معاناة الفقد والحرمان، هذه القوة النفسية الخفية التي تتحكم وستتحكم بحياة البشر أثناء وبعد معاناة الحرب لا يجب أن ننكرها ونهملها . ومن أكثر الأمراض النفسية المعروفة شيوعًا في الحروب والأزمات التي تحكمها القوانين الدولية هي أعراض الصدمة و الاكتئاب الحاد واضطراب ثنائي القطب والفصام والقلق والمشاكل النفسية الجسدية مثل الأرق و آلام الظهر والمعدة والتبول اللاارادي ورؤية الكوابيس. وغيرها من الإضطرابات . لكن ما بالكم بالألم النفسي في الحروب التي تُخترق فيها القوانين الدولية ويُستباح فيها كل شيء ؟ ما بالكم بالأزمات النفسية التي ستحدث لأم تلملم أشلاء أولادها الخمسة حتى تجمع جسد أحدهم لتدفنه ولكنها لا تستطيع ؟ وما بالكم بالحالة النفسية لأب يسمع صرخات أطفاله من تحت الردم ويحفر بيديه لينقذهم و لكن صوتهم يخبو رويدا رويدا ؟ وما بالكم بالوضع النفسي لجد يحمل مخ حفيده بين يديه بعد أن كان قبل دقيقة ينام آمناً في حضن جدته ؟ وما بالكم بالمأزق النفسي لطبيب يجري عملية قيصرية لإمراة حامل دون تخدير وتموت بين يديه هي وجنينها ؟ أتوقع أن العالم مقبل على أعراض لأمراض نفسية جديدة لم تسمع بها موسوعات علم الأمراض النفسية ، وربما تعجز الأدوية النفسية عن اخفاء هذه المعاناة ؟....أي ألم صادم قاهر هذا ؟؟؟ ألم كبير يعجز العقل البشري عن استيعابه..
توصي المبادئ التوجيهية الدولية المتفق والموقع عليها بين الدول ، بتوفير خدمات الصحة النفسية فورا من التدخلات الأساسية إلى الرعاية السريرية وإتاحتها بشكل خدمات عاجلة للمحتاجين لها ضمن إطار الاستجابة الصحية في الأزمات والحروب والكوارث ، لكن للأسف هذه المساعدات الانسانية الدولية والتي يتغنى بها العالم المتحضر في مجال الصحة النفسية لا أثر لها الآن في غزة... أين هي ؟ ومتى ستتوفر هذه الخدمات ؟
كيف سيتم توفير فوري لخدمات الرعاية النفسية لأهل غزة ؟ وأدنى خدمات الاسعاف والطوارئ لحالات الحروق والجروح والتشوهات ونقص الأوكسجين محرومون منها،محرومون من الغذاء والدواء والوقود للحياة ، محرومون حتى من أن يُدفنوا بكرامة ؟ ومن سيقدم هذه الخدمات في الوقت الراهن ؟ فجميع من على أرض غزة من أطباء نفسيين ومرشدين ومعالجين يعيشون نفس العذاب اليومي .لقد أصبحت الصحة النفسية في غزة رفاهية .
الجميع يعلم أن العلاج النفسي يشمل تناول الأدوية المخففة للأعراض ويشمل كذلك العلاج الارشادي بالكلام والحديث . لكن مما أرى ومما أتابع فإن أهلنا في غزة لن ولم ينتظروا منا ولا من الهيئات الدولية أية خدمات نفسية ، فهم يعالجون بعضهم البعض بالفطرة الإنسانية ، يواسون بعضهم البعض بالسكينة ، ويدعمون الكبير والصغير ، ويرفعون معنويات المصابين ، ويجبرون بخاطر الأطفال والنساء ، ويلتفون حول بعضهم البعض بكل محبة وصبر ، هم يمارسون العلاج الديني، والأساليب الروحية الإنسانية خير ممارسة. وبالمقابل نحن من نشاهد نحتاج لهذه العلاجات النفسية في هذا الوقت ،لأننا نشعر بالعجز والخذلان و الضعف و تأنيب الضمير ولوم الذات والقهر والاحتراق النفسي . وللأسف كل يوم تكبر هذه الأمور بداخلنا وتتحول لوحوش كاسرة تشعرنا بالانهزام . لأننا مهما فعلنا لدعمهم سنبقى عاجزين أمام صمودهم وإيمانهم بحقهم .
د. رانية اسماعيل / أخصائية نفسيه
raniareena@yahoo.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-11-2023 11:31 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |