14-11-2023 01:56 PM
سرايا - في هذه الزاوية الثقافية "نصوص في الذاكرة" تفتح الجزيرة نت مساحة لتذوق النصوص العربية والمترجمة، لتتحدث الكلمات بألسنتها بلا وسطاء، إيمانا منها بأولوية النص (الشفهي والكتابي) لبناء القيم والأفكار وتشكيل الوعي والوجدان والذوق والسلوك، حتى في عصر هيمنة الصورة.
تختار هذه النافذة مجموعة منتقاة من نصوص الأدب والفكر والتاريخ، التراثية والمعاصرة، في مجالات ثقافية متنوعة، وتكتفي بمقدمة قصيرة تفتح الباب بعدها للنصوص ذاتها لتشرق معانيها بلا حجاب، وقد أضاف المحرر إليها -أحيانا- هوامش شارحة موجزة.
هذه المجموعة الأولى، تضم قصائد منتقاة عن فلسطين، تحمل قوة الحزن بجدارة، وتفيض بمشاعر التضامن رغم كونها لا تغفل القيمة الجمالية، حيث الجرح يتحول إلى وردة.
وهذه القصائد، وإن تحررت من المعنى السياسي المباشر، وتصيدت التفاصيل الصغيرة في حيوات إنسان غير خارق، فإنها تظل تدور حول "سؤال الضحية" وتتمسك بالشرطين الإنساني والأخلاقي، وتبشر بالاحتجاج والثورة في أزمنة انكسار الحب والبلاد.
إبراهيم طوقان (1905 نابلس-1941 القدس)
لا تَسلْ عن سلامتِهْ
روحه فوق راحتِهْ
بدَّلَتْهُ همومُهُ
كفناً من وسادِتهْ
يَرقبُ الساعةَ التي
بعدَها هولُ ساعتِهْ
شاغلٌ فكرَ مَنْ يراهُ
بإطراقِ هامتِهْ
بيْنَ جنبيْهِ خافقٌ
يتلظَّى بغايتهْ
من رأى فَحْمةَ الدُّجى
أُضْرِمَتْ من شرارتِهْ
حَمَّلَتْهُ جهنَّمٌ
طَرفَاً من رسالتِه
هو بالباب واقفُ
والرًّدى منه خائفُ
فاهدأي يا عواصفُ
خجلاً من جراءتِهْ
صامتٌ لوْ تكلَّما
لَفَظَ النَّارَ والدِّما
قُلْ لمن عاب صمتَهُ
خُلِقَ الحزمُ أبكما
وأخو الحزم لم تزل
يدُهُ تسْبِقُ الفما
لا تلوموه قد رأى
منْهجَ الحقِّ مُظلما
وبلاداً أحبَّها
ركنُها قد تهدًّما
وخصوماً ببغْيِهمْ
ضجَّت الأَرضُ والسما
مرَّ حينٌ فكاد يق
تُلهُ اليأْسُ إنَّما
هو بالباب واقفُ
والرَّدى منه خائفُ
فاهدأي يا عواصفُ
خجلاً مِن جراءتِهْ
معين بسيسو (1928 غزة- 1984 لندن)
المدينة المحاصرة
البحر يحكي للنجوم حكاية الوطن السجين
والّليل كالشحّاذ يطرق بالدموع وبالأنين
أبواب غزة وهي مغلقة على الشعب الحزين
فيحرّك الأحياء ناموا فوق أنقاض السنين
وكأنّهم قبر تدقّ عليه أيدي النابشين
وتكاد أنوار الصباح تطلّ من فرط العذاب
وتطارد الّليل الذي ما زال موفور الشباب
لكّنه ما حان موعدها وما حان الذهاب
المارد الجبّار غطّى رأسه العالي التراب
كالبحر غطّاه الضباب وليس يقتله الضباب
ويخاطب الفجر المدينة وهي حيرى لا تجيب
قدّامها البحر الأجاج وملؤها الرمل الجديب
وعلى جوانبها تدبّ خطى العدوّ المستريب
ماذا يقول الفجر هل فتحت إلى الوطن الدروب
فنوّدع الصحراء حين نسير للوادي الخصيب؟
لسنابل القمح التي نضّجت وتنتظر الحصاد
فإذا بها للنّار والطير المشرّد والجراد ..
ومشى إليها الليل يلبسها السواد على السواد
والنّهر وهو السائح العدّاء في جبل وواد
ألقى عصاه على الخرائب واستحال إلى رماد
هذي هي الحسناء غزة في مآتمها تدور
ما بين جوعى في الخيام وبين عطشى في القبور
ومعذّب يقتات من دمه ويعتصر الجذور
صور من الإذلال فاغضب أيها الشعب الأسير
فسياطهم كتبت مصائرنا على تلك الظهور
أقرأت أم ما زلت بكّاء على الوطن المضاع؟
الخوف كبّل ساعديك فرحت تجتنب الصراع
وتقول إنّي قد وشقّت الريح الشراع
يا أيّها المدحور في أرض يضجّ بها الشعاع
أنشد أناشيد الكفاح وسرّ بقافلة الجياع
معين بسيسو
عيون أطفالنا
أزرار قمصانكم
أصابع أطفالنا
ملاعق
اشربوا بها حبركم
وامضغوا الورق
أوشكت تدق ساعةُ حائط الغرق
وانظروا
إن قطرة الدم الفلسطيني
تكبر الآن
تصير سفينةً
تملأ الأفق
اشربوا حبركم
وابتلعوا الورق
وعلِّقوا على حبل الغسيل برقياتكم
وعلِّقوا الخطب
وقولوا أي شيء لنا
اكتبوا أي شيء لنا
ادهنوا أصواتكم
بدهان الغضب
ضعوا على وجوهكم أقنعة اللهب
ولا تقولوا
شيئاً واحداً
لا تقولوا
إننا عرب
يا قلعة الشقيف
لم يرفع الراية البيضاء
لا كيس من الرمل ولا حجر
قاومت الشمس وقاوم القمر
وقاومت الجذور والصخور
وقاوم الشجر
وقاوم موج البحر في صيدا
وصارت كلُّ موجة متراس
وقاوم الشباك في النبطية
ألفَ تحيةٍ لكم
أرسلتمُ لنا برقية
ما الذي سوف تقولونه لأطفالكم
حينما يسألونكم
كيف قاتلوا وحدهم
كشجر الأرز والزيتون
وكيف سقطوا وحدهم
مثل صخرة في جبل القسطل العظيم
أو صنين
كيف قاتلت صور
وقاتل الدامور
وكيف قاتلت بيروت
بعلبة من الكبريت
وكيف هذا الفلسطيني
شقَّ لبنانُ صدرَهُ له
يذبحونه من يديه
ومن عينيه
فلا يموت
وكيف على رقابكم
كيف على أفواهكم
كيف على سيوفكم
قد عشّش العنكبوت
ماذا تقولون لأطفالكم
حينما يسألون
أين طائراتُكم
وأين دباباتُكم
إنني نيابةً عنكم أقول
إنها واقفة
مشبوكة بالدبابيس
مشدودة بالحبال
إلى يد المروّض الكبير
في انتظار المشهد الأخير
والكفن الأخير
سيداتي سادتي
لا تحسبوا أنه المنظر الأخير
وأن الستار سوف يسدل الآن
على المنظر الأخير
كأن كيس الرمل
يلفظ الآن من يديه
النفس الأخير
إن بيغن الآن
يهدي لكم أحجار قلعة الشقيف
ملفوفةً بأقماط أطفالنا
فاقبلوا الهدية
واذكروا
اذكروا
اذكروا
أن حجراً لم تزلْ
تصعدُ النيران منه
ويصعدُ الدخان
يكتبُ الآن
قصيدةَ الطوفان
عبد الله الطيب (1921 الدامر- 2003 الخرطوم)
*****البروفيسور عبدالله الطيب المصدر : صفحه جامعه الخرطوم على الفيسبوك
البروفيسور والعلامة السوداني عبد الله الطيب (مواقع التواصل)
الموت يجتاح المدينة
والأسى.. ليل طويل
والناس تبحث عن ضياء الصبح أو ضوء ضئيل
وأظافر الأيام يكبر خدشها
والخوف غطى الدرب واجتاح النخيل
والناس تعبر فوق أشلاء الزهور
دماؤهم في الدرب شلالٌ يسيل
والأرض تمضغ حزنها
غصت بها الأوجاع أنهكها العويل
وسماء هذا اليوم تنزف جرحها
وتشيع الأقمار والأمل الظليل
غضبت من الذل الذليل
من أين يأتينا الأمل
والصبح همهم في الرحيل
مودعا شمس الأصيل
فتأوه الطيف الجميل
وا غزتاه وا غربتاه
هي غزة ٌ وكأنما هي كربلاء
نفس المَـجازِر والتدهور والبكاء
وكأنما في (الطف) صرختها تنادي الأبرياء
وا غزتاه وا غزتاه
وا غربتاااااااه …
طفل بريء ٌ فوق صدر الدرب يصرخ في الهواء
أماه قومي لا تنامي في العراء
الخوف يا أمي يطاردني كظلي في الأزقة والخواء
تتطاير الأشلاء في رحب الفضاءِ
فتعثر المسكين أعياه البكاء
وظل يبحث في السؤال
عيناهُ تسأل والمواجع حوله تمحو الضياء
وعواصف الأحزان تطحن في المنازل والبشر
أين الجداول والمزارع و النهر
أين السماء؟؟؟
أين الزهر؟؟؟
أتموت غزة في سيوف الأشقياء؟؟؟
وتغيب في ليلِ البلاء؟؟
ونقول ها هو ذا القضاء؟؟؟
وا حسرتاه
وا أمتاه
وبدا يغالبه النعاس فمرّة ًيبكي
وأحيانا يغيبُ مع العناء
ويعود من فزع ٍ ليبكي حزنه القاسي لأحلام المساء
يتأوه المسكين.. ينظر للوراء
حتى تدهورَ في المتاعب وانطوى صوت الرجاء
وكأنما عاد الجواب يحفه ُ همس الرجاء
من بين أنغام السحاب
ومدامع الأطفال… أصوات النساء
الأرض تبقى أرضنا
لا لن تموت ولن تصير لغيرنا
رغم النوائب والقهر
ستظل غزة أرضنا
مهما جنى كف القدر
وتعود أرضي كالسناء
و يعود للطير الغناء
…
من صرخة الجرحى .. دماهم .. من كفوف الورد
من صمت الحجارةِ
سوف ينتشر النهار
من دمعة الأيتام من صبر الأرامل
سوف ينفجر القرار
من همسة الأطفال روح الطهر يزدهر المدار
هم كلما عاثوا بأزهار الخميلة
كلما داسوا على الأرض الجميلة
كلما زادوا دمارا ً و انهيار
إلا وهذي الأرض تهفو لانتصار
إلا وهذي الأرض تهفو لانتصار .
عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) (1909 طولكرم – 1980 واشنطن)
الشاعر والسياسي الفلسطيني عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) (وسط) (مواقع التواصل)
كُلَّمَا حَارَبْتُ مِنْ أَجْلِكِ أَحْبَبْتُكِ أَكْثَرْ
أَيُّ تُرْبٍ غَيْرَ هَذَا التُّرْبِ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرْ
أَيُّ أُفْقٍ غَيْرَ هَذَا الأُفْقِ فِي الدُّنْيَا مُعَطَّرْ
كُلَّمَا دَافَعْتُ عَنْ أَرْضِكِ عُودُ لعُمْرِ يَخْضَرْ
وَجَنَاحِي يَا فِلَسْطِينُ عَلَى القِمَّةِ يُنْشَرْ
يَا فِلَسْطِينِيَّةَ لإسْمِ الذِي يُوحِي وَيَسْحَرْ
تَشْهَدُ السُّمْرَةُ فِي خَدَّيْكِ أَنَّ الحُسْنَ أَسْمَرْ
لَمْ أَزَلْ أَقْرَأُ فِي عَيْنَيْكِ أُنْشُودَةَ عَبْقَرْ
وَعَلَى شَطَّيْهِمَا أَمْوَاجُ عَكَّا تَتَكَسَّرْ
مِنْ بَقَايَا دَمْعِنَا هَلْ شَجَرُ الَليْمُونِ أَزْهَرْ؟
وَالحَوَاكِيرُ بَكَتْ مِنْ بَعْدِنَا وَالرَّوْضُ أَقْفَرْ
وَكُرُومُ العِنَبِ الخَمْرِيِّ شَقَّتْ أَلْفَ مِئْزَرْ
لَمْ تَعُدْ تَعْتَنِقُ السَّفْحَ عَصَافِيرُ الصَّنَوْبَرْ
وَنُجُومُ الَليْلَ مَا عَادَتْ عَلَى الكَرْمِلِ تَسْهَرْ