15-11-2023 08:44 AM
بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
صوّت مجلس النواب قبل أيام على الطلب من لجنته القانونية مراجعة كافة الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي وتقديم التوصيات اللازمة بشأنها، وذلك من أجل تقديمها إلى الحكومة والعمل على تنفيذها.
ويأتي هذا القرار البرلماني ضمن سلسلة المواقف الأردنية الرسمية المنددة بالعدوان الصهيوني على قطاع غزة، والذي يضاف إلى جملة من المواقف الوطنية المشرفة، والتي في مقدمتها قرار استدعاء السفير الأردني من دولة الكيان، واعتبار سفيرهم شخصا غير مرغوب في تواجده على أرض المملكة.
في المقابل، فإن هناك جملة من الحقائق القانونية والدستورية التي يجب على اللجنة القانونية ابتداء ومجلس النواب من بعدها أن تعيها عند تقديمها لتوصياتها النهائية حول مصير الاتفاقيات المبرمة مع الكيان. فمجلس النواب مدعو إلى التمييز بين المعاهدات والاتفاقات التي أبرمتها الدولة الأردنية مع حكومة الاحتلال بالاستناد إلى أحكام المادة (33) من الدستور كمعاهدة السلام لعام 1994، وتلك الاتفاقيات التجارية والاستثمارية التي أبرمت بين شركات أردنية وطنية وأخرى صهيونية، كاتفاقية الغاز.
ففيما يتعلق بمعاهدة السلام التي دخلت حيز النفاذ بموجب قانون تصديق خاص، فإن مجلس النواب يملك دستوريا الحق في السير في إجراءات إلغائها، وذلك من خلال التمسك بأحكام المادة (95) من الدستور التي تجيز لعشرة نواب أو أكثر أن يقترحوا القوانين، بحيث يحال كل اقتراح بقانون على اللجنة المختصة في المجلس النيابي لإبداء الرأي حوله. فاذا قرر مجلس النواب قبول اﻻقتراح، يتم إحالته على الحكومة لوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه للمجلس في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها.
وعليه، فإن أي توجه لمجلس النواب لتفعيل المادة (95) من الدستور لإلغاء معاهدة السلام بحاجة إلى تنسيق عال مع الحكومة من الناحية السياسية ابتداء، والتفكير في اعتبارات المصلحة العليا للدولة الأردنية. فمجلس الوزراء يملك الحق في تأخير تقديم مشروع القانون الخاص بإلغاء المعاهدة إلى الدورة البرلمانية القادمة لمجلس النواب، في الوقت الذي تكثر فيه الاشاعات عن قُرب حل مجلس النواب بعد انتهاء الدورة العادية الحالية.
أما اتفاقية الغاز التي هي محل رفض واستنكار شعبي وبرلماني واسع، فإن الصلاحيات الدستورية لمجلس النواب على هذا الاتفاق محدودة بطبيعتها، إلى درجة يثور معها التساؤل حول ما إذا كان المجلس يملك نسخة من هذه الاتفاقية من عدمه. فقد سبق لعدد من النواب أن طالبوا الحكومة بعرض الاتفاقية عليهم للرقابة عليها، إلا أنه تم الالتفات على هذا الطلب من خلال توجيه سؤال إلى المحكمة الدستورية في عام 2019 حول نطاق صلاحيات مجلس النواب على هذه الاتفاقية تحديدا.
فصدر القرار التفسيري رقم (2) لسنة 2019 الخاص باتفاقية الخاص المبرمة، والذي خلصت فيه المحكمة الدستورية إلى القول «بأن الاتفاقيات التي تبرمها شركات مملوكة بالكامل للحكومة مع شركات أخرى لا تدخل في مفهوم الاتفاقيات المنصوص عليها في الفقرة (2) من المادة (33) من الدستور، وبالتالي لا يحتاج نفاذها لموافقة مجلس الأمة». وإلى جانب النوعين السابقين من الاتفاقيات المبرمة مع دولة الاحتلال، هناك مجموعة من الاتفاقيات التي جرى التوقيع عليها في ضوء نفاذ معاهدة السلام، أهمها اتفاقية تعاون تجاري واقتصادي لسنة 1995، واتفاقيات ?عاون سياحي وزراعي لعام 1995، واتفاقية نقل وخدمات جوية لسنة 1996، واتفاقية تبادل علمي وثقافي لسنة 1996، واتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة بين الأردن واسرائيل لسنة 1997.
وتبقى المشكلة القانونية الأبرز فيما يخص التعامل مع هذه الاتفاقيات أنها قد جاءت تنفيذا لنصوص معاهدة السلام المبرمة والنافذة دستوريا في مواجهة الدولة الأردنية. فالمادة (7) من معاهدة السلام تنص على رغبة الفريقين في ترويج التعاون الاقتصادي بينهما، في حين تنص المادة (10) من المعاهدة على أهمية إقامة علاقات ثقافية وعلمية طبيعية بين البلدين، وإزالة كافة حالات التمييز التي تراكمت عبر فترات الصراع. وتلزم المادة (13) من المعاهدة الفريقين بالاهتمام المتبادل في إقامة علاقات جوار طبيعية في مجال النقل وضمان حرية الحركة ب?ن الدولتين.
وقد سبق للمحكمة الدستورية الأردنية أن أصدرت قرارها التفسيري رقم (1) لسنة 2020 الذي قضت صراحة فيه «بأن المعاهدات الدولية لها قوتها الملزمة لأطرافها ويتوجب على الدول احترامها طالما ظلت قائمة ونافذة، ما دام أن هذه المعاهدات تم ابرامها والتصديق عليها، واستوفت الاجراءات المقررة لنفاذها».
فمن خلال اسقاط هذا الحكم التفسيري على معاهدة السلام المبرمة، فإنه يقع لزاما على الدولة الأردنية أن تحترم معاهدة السلام المبرمة طالما لم يتم إنهاؤها، وأن تنفذ كافة الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والعلمية التي جرى إبرامها بعد عام 1994.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
15-11-2023 08:44 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |