19-11-2023 11:07 AM
بقلم : د.نشأت العزب
الحياة هي اللحظة الكونية الفارقة في رحلة تطور البشر إلى إنسان فلماذا الإصرار على العودة إلى ما قبل ذلك.
الحياة أسمى قيم الوجود، هي القيمة التي تجعل كل ما دونها و ما بعدها يساوي صفر، و لأن الصفر ليس العدم أو اللاشيء، بل هو شكل أخر للقيمة لا يتحقق الإ بمعرفة الفرق بين الحياة و العيش، فكل حياة هي عيش و ليس كل عيش هو حياة، الحياة مفهوم يتغير بتغير الكائن المنسوب إليه معنى الحياة ، فحياة الإلكترون التي مدتها 1 على 80 مليون جزء من الثانية ليست كحياة البروتون و حياة خلية في النباتات ليس كحياة خلية في جسد كائن أخر ، و داخل الجسد حياة كل خلية تختلف عن حياة أخرى بإختلاف شرطها الوجودي الذي يمكن التعبير عنه بالوظيفة التي أوجدها التطور من أجلها ، لكنهم جميعاً و غيرهم يجمعهم السبب الوجودي الأم الذي كل شيء في الطبيعة يعمل فيه كخلية النحل بشكل دقيق و تكاملي و بطريقة واضحه للوصول لنتيجة سليمة تضمن بها الطبيعة ديمومتها من خلال تزامنها مع سيمفونية كونية كل شيء فيها تابع و متبوع ، سبب و نتيجة، حقيقة و وهم، نسخة و أصل.
لا معنى لكل ما سبق من دون وجود وسط به و عليه تتم كل هذه التفاعلات التي تبدو عشوائية و معقدة و ربما من دون معنى للبعض، فكل شيء يختلف بإختلاف شروط من ينظر إليه و ليس بالضرورة بإختلاف الشيء نفسه، فالوجود الذي يراه البعض عشوائياً و بلا معنى، يراه أخرون -بإثباتات علمية دقيقة- وجوداً فائق الدقة و البناء، و لأن كل شيء يعكس بالضرورة جانبين المشرق و المظلم ، فجمال الكون و دقته المتناهيه التي نحن مكون لجزء منها وهو الطبيعة و نعيش على جزء منها أيضا و هو كوكبنا الأم الأرض، ما كان ليكون هكذا من دون قوانين بها تكون و تطور إلى ما نحن عليه اليوم، و من هذه القوانين هو الشرطية، فمن أول شروط تشيء الشيء هو وجود الوسط الذي به الظروف التي و من وجودها يصبح مكاناً ملائماً و مثالياً لظهور شرط السبب للوصول للنتيجة، إن المسافة التي تبعد كوكبنا عن الشمس و القمر هي بالظبط المسافة المناسبة ليصبح كوكبنا مكاناً صالحاً لحياة كائنات حية مثلنا، و هذه المسافة تسمح بوجود النسبة الدقيقة من الماء و الأكسجين و ثاني أكسيد الكربون و غيرها من العناصر المهمة لنستطيع البقاء و الوجود و مشاركة الكون سيمفونيته العظيمة، و بإختلاف هذه المعاملات لن يكون هنالك الكائن البشري الذي معرفه بل شيء أخر مختلف تماماً.
الإنسان هو سلوكه، و سلوكه هو وعيه ، و وعيه هو عقله، العلاقة بينهم طردية و تنعكس بشكل مباشر على وسطه المحيط ، الذي يؤثر به أيضا ، فالانسان مؤثر مباشر و متأثر أيضا بسلوكه، فالطبيعة مثل مرآة تعكس علينا ما نقوم به اتجاهها، و هذا ما يفسر الكوارث الطبيعية التي بها تتحدث الطبيعة لنا رافضة سلوكنا المادي الذي يلغي كل وظائف العقل و غايته الوجودية .
أن السعي لتحويل كل شيء إلى ربح من دون النظر إلى الثمن جعلنا نعيش اليوم في واقعٍ على مسافة خطوات من الإنهيار، و هنا لا نتحدث عن الإنهيار الإقتصادي الذي هو تحصيل حاصل اذا ما قارناه بالإنهيار الطبيعي ، فحاجة الطبيعة للتنفس سيجعل من واقعنا المبني من الاسمنت و الخالي من كل أشكال الحياة و الفاقد لروح الإنسانية مكانا ترجع فيه البشرية لألف عام للوراء .
فما معنى التقدم و التطور التكنولوجي الذي لا يستطيع أن يسهم في تطور جودة حياة الإنسان، بل يجعله عبدا لحاجاته الأساسية في العيش و الكثير من سكان الكوكب لا يجدونها حتى، ما معنى التطور التكنولوجي الذي يجعل الإنسان كائناً فيزيائياً كما الآلة تماماً، بدل جعله وسطا و عنصراً فاعلاً لبناء وعي بشري واحد يسهم بشكل حقيقي في تطور السيمفونية الكونية، فمن يعتقد أننا نعيش في الفترة الزمنية الأكثر تطورا و تقدما في تاريخ البشرية هو بالضرورة لم يدرك أن التقدم البشري يكون بتقدم الوعي البشري الذي هو نتيجة حتمية عند تحقيق شرط الإنسانية السليمة أولاً، فالتقدم و التطور يرتبط بشكل مباشر بجودة حياة الفرد و بالتالي المجتمع و العالم.
يبحث البشر عن حياة أخرى داخل مجرتنا و كوننا معتقداً أنه الأذكى، لكن لماذا لا يكون هنالك سيناريو أخر و هو عدم وصولنا لجزء بسيط من ذكاء تلك الكائنات و بذلك لا ترغب هي بالتعرف على واقعنا المليء بالصراع على اللاشيء مقارنة بما يوجد في مكان أخر، ان الشيء المشترك الوحيد بيننا و بين الكون هو العقل ، العقل هو لغة الكون و هو بوابتنا إلى الكون ، و الوعي هو بوابتنا إلى العقل ، و الإدراك هو بوابتنا إلى الوعي ، و الجسد هو بوابتنا إلى الادراك ، فكل جسد من ال 8 مليار جسد على هذه الأرض هو مقدس و هو حاجة كونية إذا ما وصلنا إلى العلم الكافي للتواصل مع الكون ، لكن شرط هذا هو تحقيق معامل الإنسانية التي شرطها هو تحقيق جودة حياة الفرد .
بالمحصلة لا يمكن الحكم على شيء دون النظر للنتيجة، و لتحليل عادل للنتيجة يجب معرفة شروط تكون السبب، و لأن فراشة في الشرق يمكن أن تحدث إعصاراً في الغرب وجب إجماع و إتفاق البشرية على قانون واحد و نظام واحد يسهم في تقدمها و تطورها و سيرها على طريق واضح الملامح أساسه إحترام حرية و إعتقاد الإنسان و السعي لتكوين وعي إنساني واحد و سليم شرطه الأول عدم الإخلال بسببه الوجودي، فلا معنى للعلم و الثقافة و المعتقد الذي هدفه إضطهاد و قمع الأخر و التحكم به لمصالح لا علاقة لها بالتقدم الإنساني بل هي لا تتجاوز رغبة الأنا بالتملك و الكسب و السيطرة، الأنا التي تحقيق رغباتها يتناسب عكسياً مع التقدم الإنساني السليم، فالحب و الخير هي معاملات عطاء لا يمكن أن يتفق مع الأنا التي يغذيها الأخذ، فالوعي السليم هو الذي يدرك جيدا أن الوسيلة للرقي و التقدم تكمن بالعطاء، العطاء للآخر.
على البشرية أن تستيقظ من سباتها العميق اليوم و فوراً، علينا جميعاً نبذ و إيقاف كل يدعو و يعمل على نشر العنف و العدوان ، فهذا سلوك لا ينعكس على الضحية فقط، بل على البشرية جمعاء و على الإنسانية بالمحصلة ، لم تكن المساوة يوماً طريقة يحقق التقدم فلا معنى للدعوة للمساوة بل للعدل ، لبناء قوانين عالم جديد اساسه العدل و الحب و الخير، عالم يصبح الوسط المثالي لنمو الوعي الإنساني الذي به ينعكس على سلوكنا بالحفاظ على المناخ الذي هو شرط لوجودنا ، به ينعكس على حق الإنسان بحياة كريمة و عادلة ، به ينعكس على تطور و تقدم العلم الحقيقي الذي به سيكون المصباح الذي يمكننا من خلاله أن نكتشف كوكننا العظيم فنصبح الصورة الحقيقة التي تعكسه و بالمحصلة توازيه .
الحياة هي الحالة التي عبر التطور جعلت البشر إنساناً، الحياة هي الشعور و التناغم مع الوجود و التي بفقدها يرجع الإنسان إلى الحقبة الزمنية التي بها يتساوى بها مع كل الكائنات في الطبيعة التي كان هدفها العيش، إن العيش شرط للحياة و متى ما أصبح سبباً لها كان ذلك مؤشرا على خلل وجودي وجب تغيره فبذلك السبب يُفقد معنى و مغزى النتيجة التي بالضرورة ستكون مشوهه و تعكس واقع كواقعنا اليوم على البشرية جمعاء.
الوحدة و السير بطريق الإنسانية السليم لم يعد خياراً بعد اليوم بل واجباً و ضرورة، فبذلك فقط نستطيع المحافظة على المناخ و الطبيعة و بذلك نحافظ على وجودنا و نصنع بيئة صالحة و سليمة للتقدم و التطور الانساني في مختلف المجالات، فلا معنى من البحث عن مكان أخر للحياة و العيش ، فالجسد الذي هو الوسط الذي به نتفاعل مع الكون هو أسير ظروف و عوامل كونية لم يكتشف العلم وجودها الا على كوكبنا الأم الارض، فعلينا تحكيم العقل و الحكمة لجعل بيتنا الوحيد الأرض مكاناً صحي و سليم و افضل للبشرية جمعاء .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
19-11-2023 11:07 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |