21-11-2023 04:21 PM
بقلم : م. أنس معابرة
ما زال حديثنا مستمراً عن الدروس التي من الممكن ان تستقيها من حرب الإبادة والتطهير العِرقي التي تشنها قوة الاحتلال الغاشمة على أهلنا في فلسطين عموماً وغزة خصوصاً، ناقشتُ خمسة من الدروس والنتائج في الجزء الأول من المقال، وأضع بين ايديكم ما تبقى من الدروس في هذا الجزء:
سادساً: روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها"، ربما يكون المجدد شخصاً عالماً عارفاً بالدين وحيثياته، وحسب رأيي قد يكون حدثاً مهماً كما يحدث في غزة، أو جماعة مقاتلة في سبيل الله، كأبطال المقاومة في غزة، فلقد تبدلت الأجيال التي واجهت النكسة والنكبة، ولم تعد الأجيال الجديدة تعي أهمية القضية الفلسطينية كما وعاها آبائنا واجدادنا أو كما وعيناها نحن، وبالتي كان لا بد من التجديد.
اليوم تشاهد الأطفال وهم يتابعون تصريحات "أبو عبيدة" بشغف، ويقلدونه في لثامه الذي أصبح ايقونة عالمية، أو يرسمون أعلام فلسطين على كراساتهم ووجوههم دعماً للقضية الفلسطينية، بل تجدهم يقلّبون البضائع في الأسواق حتى يتأكدوا من مكان الإنتاج، وأنه لا يدعم دولة الاحتلال.
سابعاً: لقد كشفت لنا الحرب ما حاول الصهاينة والغرب أن يزرعوه في عقولنا على مدى السنوات الطويلة الماضية، وهو أن الحرب تقوم بين جيش الاحتلال ومجموعة من المقاتلين فقط، وعلى الجميع ان يلتزم الحياد، ولم يتردد قادة الاحتلال في دعوة القادة العرب والشعوب العربية إلى التزام الحياد في الحرب، وكأن القضية الفلسطينية خاصة بأهل غزة أو فلسطين، ولا تخص كل عربي ومسلم في العالم.
اليوم؛ أدركنا أن هؤلاء الابطال يقاتلون نيابة عن الامة العربية والإسلامية، ويحملون لواء الجهاد ضد قوة الاحتلال الغاشمة، وإذا لم يكتب الله لنا ان نكون إلى جانبهم في ساحات القتال؛ فالمفروض ألا نتأخر في مد يد العون لهم في تقديم التبرعات المادية والعينية، أو من خلال الضغط على صُنّاع القرار بضرورة قطع العلاقات مع دولة الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني، كما لا ننساهم من الدعاء في صلواتنا، وأن ندعو لهم بالنصر والثبات، وهذا أقل ما يمكننا أن نقدمه.
ثامناً: لقد كشفت الحرب في غزة عن قناع التطبيع الذي يدعو ظاهرياً إلى التقارب بين الأمم والشعوب، وتقليل حجم الهوة بينهم، وظهر لنا الوجه الحقيقي للتطبيع بأنه دعوة إلى الانبطاح أمام الصهاينة، والتسليم لهم بالقوة العسكرية والاقتصادية، وكل ذلك بعد أن نُسلم لهم أرض فلسطين كاملة، وبعض أجزاء من الدول العربية أيضاً.
كما كشفت لنا الحرب أن هنالك من العرب المسلمين من هو أشد تصهيناً من بعض اليهود أنفسهم، يدافع عن قتلهم لأطفالنا في المحافل الدولية، ويعتبر ذلك دفاعاً عن النفس، ولا يكلف نفسه النظر إلى إخوانه في العرق والدين، وإلى أحوالهم بعد سبعة عقود من الاحتلال لأرضهم وديارهم، ويبقى ظلم ذوو القربي أشد مرارة على النفس من وقع الحسام المهنّد.
وفي الوقت ذاته؛ كانت الحرب فرصة للبعض لمراجعة النفس، والتأكد من تلطّخ يد دولة الاحتلال بالدم، فكفّ هو يده بعد أن فكّر أن يمدها بالسلام إلى دولة الاحتلال، وأعاد حساباته، ليعود إلى موقفه السابق في رفض التطبيع مع شبه كيان لا يعرف إلا لغة القوة، ويضرب بكافة العقود والمواثيق الدولية عرض الحائط.
تاسعاً: لطالما تشدّق البعض بنصرتهم للقضية الفلسطينية، وتسمية أنفسهم بمحور المقاومة، ولكن كشفت لنا حرب غزة الحقيقة.
هؤلاء القوم يصطدمون مع دولة الاحتلال نعم، ليس بسبب نصرتهم للقضية الفلسطينية، أو بسبب شوقهم لتحرير فلسطين والصلاة في المسجد الأقصى كما يدّعون؛ بل هو خلاف على مناطق السيطرة والنفوذ، واصطدام نتيجة حاجة كليهما إلى التوسع فقط.
يعتقدون أن الطريق إلى القدس يمر عبر تدمير ادلب واخضاعها، وتدمير حمص وحماة، ومقاتلة تركيا والسيطرة على خيراتها، والسيطرة على لبنان عسكرياً وسياسياً، وتعميق الهوة بين المذاهب، وتطهير مناطق نفوذهم عرقياً، بعدها تكون الطريق سهلة ميسّرة إلى القدس، وإلى اليوم ما زلنا ننتظر صواريخ حيفا، وما بعد حيفا، وما بعد بعد حيفا، ويبدو أننا سننتظر كثيراً.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-11-2023 04:21 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |