23-11-2023 09:20 AM
بقلم : د. صلاح جرّار
لم يعد خافياً على أحد أنّ ثمّة امتعاضاً شديداً في الشارعين العربي والإسلامي من مواقف بعض الدول العربيّة والإسلاميّة من العدوان الصهيوني الغاشم والمتواصل على قطاع غزّة والضفّة الغربية، ولم يَعُدْ خافياً أيضاً أنّ امتعاض الشارعين العربي والإسلامي من المواقف الدوليّة أقلّ حدّة وذلك بسبب الاعتقاد المطلق والعميق بأنّ أميركا خاصّة ودول الغرب عامّة هي شريكة للكيان الصهيوني في العدوان على غزّة والضفّة الغربيّة إضافة إلى كونها عدوّاً تاريخيّاً للعرب والمسلمين.
ولا أشكّ في أنّ الشارع العربي والإسلامي يرى أنّ أهم أسباب بعض المواقف العربيّة والإسلامية المتردّدة والمبهمة في كثير من الأحيان يرجع إلى استغراقها في حسابات الربح والخسارة من جرّاء اتّخاذ أيّ موقفٍ مؤثّر وفعّال من هذا العدوان الإجرامي المتواصل.
والذي أراه أنّ حسابات الربح والخسارة والارتهان لدى البعض هو الذي يكاد يشلُّ القرار العربي ويعيق الإقدام على أيّ خطوة، غير أن المشكلة التي تزيد الأمر تعقيداً هي أنّ كلّ دولةٍ عربيّة أو إسلامية تقوم بإجراء حساباتها في الربح والخسارة على انفراد دون الأخذ في الاعتبار أنّ دولاً عربيّة وإسلاميّة أخرى تقوم هي الأخرى بإجراء هذه الحسابات، ولتجاوز هذه المعضلة لا بدّ أن يكون إجراء هذه الحسابات جماعيّاً تشترك فيه الدول العربيّة والإسلاميّة كافّة، لأنّ مثل هذا التشارك في إجراء الحسابات قد يخفّف من وطأة بعض الخسارات على?المستوى الفردي.
ولذلك فإنني أقترح على جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي واللجنة المتابعة لقرارات مؤتمر القمة الأخير الذي عقد في الرياض أن تبادر إلى تشكيل لجنة على وجه السرعة من خبراء عسكريين وإستراتيجيين وخبراء سياسة واقتصاد وغيرهم لدراسة احتمالات الربح والخسارة في حال الإقدام على أيّ عمل مشترك لوقف العدوان الإجرامي على غزّة والضفّة الغربيّة وإنهاء معاناة الفلسطينيين ووضع حدٍّ للأطماع والتهديدات والأخطار الصهيونية على الأراضي العربيّة، على أن تكون مهمّة هذه اللجنة حصر كلّ ما قد ينجم عن أيّ عمل عربي وإسلامي مؤثّر?وفاعل من خسارات وما قد ينجم عنه من أرباح وإنجازات، ثم تقوم بالموازنة بين حجم الأرباح وحجم الخسائر ثم ترجيح أحدهما، ثم التنسيب لأصحاب القرار باتخاذ الإجراءات التي فيها مصلحة الأمّة ومصلحة الفلسطينيين.
ولا بدّ من السرعة القصوى في تشكيل هذه اللجنة وفي أداء مهمّتها، لأنّ كل لحظة تمرّ دون إجراء لوقف هذه المذبحة تزيد من حجم الكارثة، وتشجّع العدوّ على الاستمرار في القيام بها، وتضاعف معاناة أهل فلسطين، وتزيد من حجم خسائر الأمّة الماديّة والمعنويّة. ولا بدّ كذلك عند حصر الخسائر التي تلحق بالأمّة نتيجة التردّد في اتخاذ الإجراء المناسب لكبح جماح العدوان الأخذ في الاعتبار الخسائر المعنوية الباهظة مثل زعزعة ثقة الأمّة بنفسها وبقدرتها وتراجع مكانة العرب والمسلمين في العالم وتشوّه صورتهم في المخيّلة العالمية، وهي أمو?ٌ لا يستهان بها أبداً، بالإضافة إلى أنّ إخفاق العرب والمسلمين في مواجهة هذا العدوان، وهم قادرون على مواجهته بكلّ سهولة، سوف يشجّع كلّ من هبّ ودبّ من دول العالم للاعتداء عليهم والنيل منهم والتطاول عليهم واحتلال أراضيهم، وهذه نتيجة بالغة الخطورة ينبغي عدم الاستهانة بها.
ولا بدّ من الأخذ في الاعتبار أيضاً أنّ المبالغة في حسابات الربح والخسارة أمرٌ غير محمود أبداً، وأنّ علينا أن نوطّن أنفسنا على أنّه ما من ربحٍ في جانب وإلاّ وتقابله خسارة في جانب، وأنّ خسارتنا في أيّ إجراء تتخذه الأمّة لصيانة سمعتها وكرامتها وشرفها ودمها لا يمكن أن تزيد على ما نخسره من مقدّسات مثل القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولا يمكن أن يزيد على ما خسره ويخسره أهل غزّة والضفة الغربيّة من دمائهم وبيوتهم وأبنائهم وبناتهم ومقدّراتهم ووجودهم وما يتعرّضون له من إبادةٍ لم يشهد لها التاريخ ا?معاصر مثيلاً أمام عيون العرب والمسلمين.
Salahjarrar@hotmail.com
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
23-11-2023 09:20 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |