02-12-2023 05:37 PM
بقلم : د.نشأت العزب
حالة الحرب في العالم اليوم هي إنعكاس لخلل في فهم سيكولوجيا الشعوب و المجتمعات، يقول الحكماء تعرف الأشياء بالنتائج، و في كثير من الأحيان قد يكون السبب واحد و لكن تختلف النتائج و ما يحدد ذلك هو السلوك في التعامل مع السبب و الذي يتأثر بالفهم الحقيقي للعديد من الأمور التي تختلف بإختلاف النتيجة المراد الوصول لها بعد تحقق شرط السبب ، فأي نقطة على سطح الكرة الأرضية تختلف بإختلاف موقع من ينظر إليها ، و لمعرفة حقيقة النقطة وجب الإطلاع عليها من كافة ال 360 درجة، عندها فقط نكون على أقرب مسافة من حقيقة تلك النقطة .
عند النظر للعالم اليوم و الذي يقوده الغرب يبدر على أذهاننا أسئلة تبحث عن إجابات حقيقة من كافة الجوانب و خصوصاً في ظل هذا الواقع المرير الذي تمر به البشرية و الطبيعة اليوم، و هي ما الذي قد قدمه الغرب للعالم و الإنسانية في المحصلة، و سوف أتجاوز هذا السؤال لأسأل ماذا قدم الغرب لنفسه في ظل هذا الواقع الذي يعيشه الغرب اليوم و يحاول تصديره للشرق ؟
هل إستخدم الغرب العلم و التطور المعرفي و التكنولوجي لخدمة البشرية و رقيها ؟ هل حافظ الغرب على استقرار نسيجه الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي ؟ هل سلوك الغرب هو السلوك السليم للوصول إلى عالم واحد ؟ هل الازدواجية في المعايير حول مختلف الاحداث العالمية هي من مبادىء العولمة ؟
من المؤكد أن الإجابة على كل ما سبق هو لا ، و من المؤكد أيضاً أن واقع العالم اليوم هو نتيجة لتشوه حقيقي في فهم و تخيل عناصر هذا العالم و اختلافها و طريقة التعامل معها و هو أيضا نتيجة لغياب الحكمة و العقل و استبدالها بالأنا التي لا يمكن التنبؤ بأي نتيجة ايجابية في حال جعلها أولوية في التعامل و تحقيق النتائج .
من غير الممكن الوصول إلى عالم واحد و عولمة حقيقية دون فهم سيكولوجيا كل منطقة و كل شعب ، و من غير المنطقي البدء بمحاولة فهم الإنسان سيكولوجياّ دوناّ عن فهم الطبيعة في المكان الذي يتواجد فيه و دراسة تكلفة و ثمن كل خطوة ، فمحاولة الغرب مثلاً في استغلال ثروات القارة الافريقية-بإعتراف ساسة الغرب- لتحقيق النمو و التقدم في أوروبا ، جعلت من أفريقيا مصنعاً للغرب بأيدي الشعوب الإفريقية الكادحة و من أوروبا بيتا لعدد كبير من سكان القارة الافريقية ، و محاولة تحقيق الديمقراطية و الحرية دون فهم حقيقي لطبيعة الشعوب في الشرق الأوسط و طبيعة المكون الإجتماعي و الثقافي فيه، جعل من منطقة الشرق الأوسط مكاناً يملأ العديد من دوله الخراب و الدمار و من أوروبا بيتاً لعدد كبير من سكان تلك الدول،و كذلك الحال مع اوكرانيا و العديد من الدول الأخرى التي حاول فيها الغرب فرض مبادئه و قوانينه التي تنطبق على طبيعة و مكون شعوبه على شعوب من طبيعة و ثقافات و أديان مختلفة تماماّ و من دون معاملتهم حتى بنفس الجودة و المعايير التي يعاملون بها شعوبهم في أوروبا، و المفارقة هنا أن أوروبا أو الحديقة كما يصفها الساسه الأوروبيون أصبحت وسطاً إختلط فيه نسيج العديد من تلك الشعوب التي تم ذكرها و التي يشكل معظمها فئة الأطفال و الشباب مع النسيج الشعبي الأوروبي الذي يعاني من مشاكل ديموغرافية كبيرة ، و المفارقة الأخرى هو شعور تلك الشعوب من تلك المناطق التي تم ذكرها بالأحقية الكاملة في البقاء في أوروبا بسبب اعتقادهم التام أن الساسه الغربييون هم السبب في دمار و خراب بلادهم و فقد العديد من احبائهم و عائلاتهم ، و هذا ينذر بخطر كبير على القارة الأوروبية اجتماعياً و سياسياً في حال حصول أي خلل اقتصادي أو طبيعي في العالم عامة او في أوروبا خصوصاً.
إن الشعوب الأوروبية هي مثال يحتذى به في الحرية، الوعي، التحضر و الإنسانية، و سبب ذلك هو الظروف المعيشية الممتازة التي وفرت لهم بعد الحرب العالمية الثانية، لكن و من غير الممكن إنشاء عالم جديد بالشعوب الغربية فقط دون اعطاء أي إهتمام لشعوب الشرق الأوسط الذين يمتازون بصفات و قدرات منحتهم اياها الطبيعة يمكن تسخيرها للتقدم و الإزدهار و سلبتهم اياها و قيدتها الأنظمة السياسية الغربية دون حتى محاولة الاستفادة منها -هذه الفكرة السائدة في تلك المجتمعات- في الحقيقة إن أوروبا استنفذت كل طاقاتها لتقديم أي شيء جديد للعالم و الحضارة الجديدة، و الساسة الأوروبيون يعلمون ذلك جيدا لكنها محاولات التمسك و الرهان على الإسم "البراند" فقط ، و على الجانب الأخر من غير الممكن التفكير بعالم جديد دون حل نزاعات الشرق الأوسط بشكل سليم و عادل لجميع الأطراف، فالشرق الأوسط هو صمام الأمان لهذا العالم و في نفس الوقت هو معظلة هذا العالم، فوجب لذلك إيجاد الحلول التي تعاكس تماماً الحلول التي تم طرحها بعد الحرب العالمية الثانية و التي جعلت من الحروب و القوة أساساً للتقدم و الذي كان ضحيته الملايين من الأبرياء و مثلهم ممن يحملون بداخلهم مشاعر الكره و الظلم و بالمحصلة حلقة لا تنتهي من الحروب و الصراعات يمكن أن تفنى من خلالها البشرية، و هذا الشيء لن يسمح الوعي الكوني بحدوثه، و لانه غير ممكن الحدوث فليس من مصلحة أحد حدوث أي خلل طبيعي كهذا و بالحديث عن الشرق الأوسط تحديداً فليس من صالح اسرائيل أو العالم أن يكون الشرق الأوسط مضطرباً ، فلو كنت أنا اسرائيلياً لحرصت على رفاه و تقدم شعوب الشرق الأوسط كافة ، لا أن يكون الواقع كما اليوم و هو إيصالهم إلى النقطة التي لم يعد لديهم أي شيء يخسروه مما جعل فكرة الانتقام و التضحية اسمى الأهداف للوصول إلى الجنة بعد أن فقدوا كل معاني الحياة في هذا العالم !
ما معنى التطبيع مع دول شعوبها تعاني اقتصادياً, و إجتماعياً ، كيف يمكن أن انعم بالأمن و الأمان و كل الدول المحيطة بي تعاني من ويلات الفقر و الحروب و الدمار ! لماذا لا تقودنا الحكمة و العقل إلى إيجاد حل عادل و سلمي يسمح لكافة شعوب المنطقة بكافة معتقداتهم و أديانهم العيش بسلم و جعل منطقة الشرق الأوسط كما منطقة الشنغين في أوروبا يمكن لأي مواطن فيها التنقل لأي دولة أخرى بحرية مع حفاظ كل دولة على سيادتها و نظامها الخاص!، لو كنت اسرائيليا لكنت الأشد حرصاً على اعطاء الفلسطينين حق إقامة دولتهم على حدود عام 1967, فهذا الحل الذي يضمن امن و سلامه الشعب اليهودي في اسرائيل، و يعطي الفرصة لشعوب المنطقة أن تندمج معا و تعيش بسلم و أمن و يجعل من الشرق الأوسط بوابة حقيقة و سليمة لعالم جديد .
قد يكون الاختلاف في الثقافة و الإعتقاد سبب يمنع تحقيق كل ما سبق، و لكن بتحقيق الرفاه لشعوب الشرق الأوسط يمكن جعلها مكاناً و وسطاً تجده الشعوب الغربية عامة و الأوروبية خاصة ملائماً و مناسباً خصوصاً في ظل تدهور الاوضاع اجتماعياً و اقتصادياً و سياسياً في أوروبا ، مما لذلك الاثر في إثراء منطقة الشرق الأوسط بالتجربة الأوروبية عن كثب و مما يجعل لإندامج شعوب الشرق الأوسط مع الشعوب الأوروبية في الشرق الأوسط الحل الانسب للوصول لثقافة و وعي عالمي مشترك !
قد تختلف الحلول و تتعاكس الأراء، لكن يجب الإتفاق على ضرورة ايقاف الحروب و حل كل خلاف يدعو لها بشكل عادل و سلمي، يجب أن نتفق على أن الواقع الذي يعيشه العالم اليوم هو نتيجة لأيدولوجيات بنيت على فهم خاطىء للثمن و التكلفة ،نتيجة لأفكار لم تستند إلى أي مرجع علمي و عملي ، واقعنا اليوم هو نتيجة التزمت بالرأي و الإزدواجية في المعايير، و التي من خلالها الكل خاسر و الحرب الكبرى التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها تبعد عن عالمنا اليوم مسافة ثلاث خطوات .
في المحصلة من الضروري و المهم أن لا ننسى أن الكائن البشري هو جزء من كل ، جزء من الطبيعة التي هي جزء من الكون ، و كما اخبرنا العلم ، هذا الكون يسير بقوانين دقيقة و لديه وعي أوسع و اشمل من الوعي البشري ، به يضمن الكون ديمومته، فلذلك وجب التفكير بحلول عادلة و شمولية تكون أساس صلب و حقيقي يسهم في تقدم الإنسانية و الحضارة و ازدهارهما بعيداً عن أي فكر أصولي ، و لا اعني هنا الأصولية الدينية فقط ، بل الأصولية الفكرية، العلمية ، الايدولوجية و غيرهم ، فهذا أخر ما قد يحتاجه العالم اليوم، و لو كان لهذا أي نتيجة ايجابية لكنا نعيش واقعاٌ افضل بكثير من الواقع الذي يعيشه العالم اليوم، فكما اخبرنا العلماء و الفلاسفة عن الحقيقة التي اذا ظن الانسان أنه يمتلكها فقط سقطت و اذا كان يعتقد انه لا يملكها فقد وجب عليه العمل الجماعي و المشترك للبحث عنها فالحقيقة الأم يوجد جزء منها في كل فكر و عقل و منطق، فمن هنا يبدو إستخدام القوة لتحقيق أي فكرة ليس الا تحدٍ مع الطبيعة و الكون.
فهل يقبل هذا عقل و منطق!
اتمنى أن يجد حكماء و عقلاء هذا العالم الحلول التي يمكنها جعل العالم مكاناً افضل و أكثر عدلاً و أمناً، مكاناً يجعل من السلوك البشري أساساً للحفاظ على المناخ و ضمان أسس الإنسانية السليمة ، مكاناً يمثل نقطة إنطلاق للمستقبل بواسطة العلم و المعرفة لإكتشاف هذا الكون الذي كلما عرفناه اكثر أدركنا حجم جهلنا أكثر، مكاناً من خلاله تضمن كافة الشعوب حقوقها و تسهم في خدمة الانسانية و تقدم و تطور الحضارة التي من خلالها نضمن مستقبل أمن لنا و لأطفالنا و لكوكبنا الأم الأرض.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-12-2023 05:37 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |