حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,26 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 4675

قراءة في رواية " شبرمه صاحب المزمار"

قراءة في رواية " شبرمه صاحب المزمار"

قراءة في رواية " شبرمه صاحب المزمار"

05-12-2023 12:31 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - عبر ثلاثمئة وأربع وخمسون صفحة، وبلغة عربية أنيقة من أعماق تاريخنا، يبحر بنا "صالح الشورة" في سردية " شبرمة صاحب المزمار" دون أن يرسو بنا على شط، يتلاعب بعواطفنا وأفكارنا وهواجسنا وتخيّلاتنا كما يريد هو وكما أراد الراوي في روايته، يجعلنا نحزن ونفرح ونتأمل ونترقب وننتظر ونسرح ونغضب ونستكين، من البداية يقول "أعرف بأن لكل منا حزنه، ولكني لا أعرف الأسباب" ويقينا نعرف النتائج، ولكنّا نبقى نلامس تلك الأسباب ونعيشها بكل ما فيها من معان في عتبات الرواية.
حاك " الشوره" عناصر روايته بحنكة وحكمة ودهاء، يجول بنا في " الرقيم" الإسم العربي الاقدم للبتراء، إحدى عجائب الدنيا السبع، والحاضرة بتاريخها وحضارتها وقوتها وعنفوانها وشموخها الذي يوازي شموخ الجبال التي تحيط بها، وصولا الى جبال رم ، والبحر المالح " البحر الميت" وبحر القلزم " البحر الاحمر" و" ايله" العقبة حاليا، وغيرها من الاماكن الكثير، وهذا توظيف للمكان لم يأت من عبث ولا لمجرد ذكر، بل لنعيش بكل تلك الأمكنة بصدق كما كانت على طبيعتها ونستشعر دفأها رغم مرور آلاف السنون عليها، يجعلنا نعيش في أسواقها على حقيقتها، نشاهد بضاعتها التي تأتي من بلاد شتى، ونعيش بأيام اسبوعها كما كانت مسمياتها، ونستذكر الشهور بأسمائها القديمة، مما غذّى الرواية بصدق عفوي، وبساطة يعيشها القاريء ولا يملّ منها، عامل الكاتب روايته مثل لوحة وورسم المكان بريشته الخاصة فكانت مثل خلفية للرواية وجزءا لا يتجزأ منها، وجعل المكان يتفاعل مع كل عناصر الرواية تفاعلا حادا وقويا ممتلئا بالشغف.
لم يكتف الكاتب بسردية المكان، بل أخذنا بكل هدوء الى العالم الاجتماعي لحضارات عاشت قبل آلاف السنين من ثموديين وأنباط وأدوميين، دون أن يتورط بالرتابة أو السرد الممل أو إعادة كتابة التاريخ الاجتماعي ، وظّف العادات والتقاليد التي كانت سائدة " المثاقفه" وجعلنا نبغض بعضها، حبا بشبرمه ولطف، لأنها كانت سببا لشقائهما.
رواية " شبرمة صاحب المزمار" ليست سردا تاريخيا للأنباط وتاريخهم التليد، واستعادة مجدهم، وليست حكاية الثموديين والأدوميين، هي صراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الحب والكره، بين النبل والنذالة، صراع بين الطموح وبين الخنوع، رواية متشابكة ، تقرأ ما بين السطور ما بها من اسقاط للحاضر على الماضي ، أو قراءة للماضي للعبرة والعظة للمستقبل، رواية شاهدة على عصر دول سادت ثم بادت، وإن كان في نهاية الأمر يقول أن اصحاب الأرض هم أصحاب القوة، وأن الحق لا يضيع ما دام هناك من يطالب به مهما كانت قوة الطرف الآخر وجبروته.
لن أفسد على القاريء متعة قراءة الرواية من خلال تلخيصها بسطور، أستطيع القول أن كل شخصية فيها رواية وحكاية، بدءا من صاحب المزمار مرورا بالملك الحارث وملحو وشأس والباتر وأنيب وقوس وهدد وأخيرا لطف، التي غاصت في نهاية الرواية مع زوجها وحبيبها شبرمه بالماء رمز الخصب والحياة والنماء، لنكون في خاتمة رواية انسانية حتى حين تنتهي من قرائتها ، يبقى صوت مزمار شبرمه يرن في أذنيك، ويبقى عبق المكان يملأ كل ما هو حولك، وتبقى شخصياتها دائمة الحضور أمام ناظريك.

علام منصور/ باحث وناقد








طباعة
  • المشاهدات: 4675

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم