بقلم : مهند الجوابرة

على مر التاريخ لم تدون صفحاته أن مقاومة ما في أرض ما انتصرت بالجنوح إلى السلم والمفاوضات مع العدو أو المحتل ، حتى بات لزاماً على أي شعب يرغب في التخلص من قيد الاستعمار أن يفكر جدياً في تطوير العمل المقاومي وابتكار طرق جديدة لأدائه في أراضي القتال حتى يدرك غايته ويحصل على رغبته باستنشاق عبير الحرية بعد كنس الاحتلال ودحره من أراضيه .

ولنا في المقاومة الفلسطينية خير مثال وخير دليل على أن المقاومة المتطورة لا يمكن هزيمتها ولا يمكن معاملتها معاملة المرتزقة والعصابات الثورية العشوائية ، فالانتفاضة التي ابتدأت بحجر ومقلاع مربوط بمطاط يرمى بغل وحقد وكره على محتليه كبر ونضج وبات صاروخاً يزلزل عرش عاصمة المحتل المسماه بتل أبيب ، وأضحى التفكير من قبل إدارة الحكومات الصهيونية المتعاقبة بالتحرك البري نحو المقاومين أينما كانوا بحاجة إلى أسابيع طويلة لاتخاذه نظراً لمعرفتهم بأن هناك المزيد من الخطط والحيل العسكرية الجديدة التي طورتها المقاومة لحصد أرواح جنود أعدائهم في المعارك القادمة .

في انتفاضة الحجارة تصدرت الأغاني الشعبية والوطنية الثورية المشهد وباتت تلهب قلوب الجماهير الفلسطينية والعربية على حد سواء وتشعل فيهم نار العمل المقاومي والاستماتة في الذود عن الحقوق حتى الحصول على إحدى الحسنيين ، وكبر جيل فلسطيني كامل على أغاني أصبحت فيما بعد أيقونات للعمل الفني الوطني وأهازيج ثورية تطرب لها أسماع من وضعوا نصب أعينهم تحرير الأرض وطرد الاحتلال منها ، إذ كان على رأس هذه الأغاني الوطنية "طالعلك يا عدوي طالع" والتي أجزم بأن من كتبها ولحنها وغناها كان على علم يقين بأن هذا اليوم آت وقادم لا محالة ، وسيخرج المقاومون كما قالت كلمات الأغنية من كل بيت وحارة وشارع للقاء الأعداء وهزيمتهم شر هزيمة والتنكيل بهم جزاءً لهم على كل ما اقترفوه بحق شعبنا الفلسطيني البطل .

وهاهي الأيام تثبت أن المقاومين قد خرجوا في غزة من كل شارع للنيل من جنود بني صهيون ، حيث قامت كتائب القسام أمس الثلاثاء وفي ظل التحذيرات المستمرة من قيام طيران العدو برصد القطاع كامل بالطائرات المسيرة وأجهزة المراقبة الرادارية الحديثة برصد أكثر من 60 جندياً صهيونياً من على بعد أمتار قليلة لا تتجاوز العشر أمتار فقط ، رصدوهم بالكاميرات ووثقوا ذلك ومن ثم فجروا بهم ثلاث عبوات أودت بحياة هؤلاء المعتدين بين قتيل وجريح ، لينزلوا الرعب في قلوب أعدائهم ويوصلوا رسالة لهم تفيد بأن لا مكان في غزة آمن لغير أهلها ، لا مكان لمحتل في أوطاننا ، لا مكان للمجرمين بين الآمنين والمعتدين بين أصحاب الحق ولا للمطرودين من بقاع الأرض في أقدس بقعة في الأرض ، لا مكان لهم فالعبوات بانتظارهم والقناصات بانتظارهم والموت المحقق بانتظارهم أو الإعاقات مدى الحياة ضمن أمراض نفسية لن يعالجها أعتى الأدوية ولا أرقاها .

طالعلك يا عدوي طالع أصبحت حقيقة بفضل رجال كتائب القسام وصانعي العمل الثوري الفدائي المنظم فيها ، طالعلك يا عدوي طالع تعيد نشر ذاتها بواقعية بعد أكثر من عشرين عاماً على غنائها وانتشارها في مسامع وأذهان شعب يطمح يوماً ما للعودة إلى أرضه دون محتل واهن أو كيان مجرم أو عصابات تدب الرعب في قلوب من سكنوا الأرض عبر التاريخ وزرعوا فيها زيتونهم قبل مئات السنين من ولادة هذا المسخ المسمى بالصهيونية .