10-12-2023 08:17 AM
سرايا - تعرف محافظة أسوان (أقصى جنوب مصر) كأحد أشهر مقاصد السياحة الثقافية في البلاد؛ إذ اشتهرت بآثارها المتعددة ومعابدها الضخمة التي شيدها ملوك مصر القديمة في أبو سمبل، وجزيرة فيلة، وفي إدفو، وكوم أمبو، وغير ذلك من المناطق التاريخية التي تنتشر بطول المحافظة وعرضها.
لكن المصادر العربية تدلنا على جوانب متنوعة أخرى من تاريخ المدينة، التي ذاع صيتها مركزا من مراكز الحضارة المصرية القديمة.
وتجمع المصادر، وما سجله المؤرخون والرحالة، وكذا علماء الآثار الإسلامية والقبطية، على أن أسوان لها مكانة مهمة في التاريخ القبطي والإسلامي، بجانب ارتباط موقعها في الحضارة المصرية القديمة.
وقد وصفت العالمة المصرية الدكتورة سعاد ماهر محمد، التي تولت لسنوات عمادة كلية الآثار بجامعة القاهرة، أسوان بأنها "متحف الآثار المصرية عبر العصور"، وتشير في كتابها "مدينة أسوان وآثارها في العصر الإسلامي"، أن أسماء أسوان تعددت تبعا لتعدد الوظائف التي قامت بها، والأحداث التاريخية التي عاشتها عبر العصور بفضل تفرد موقعها.
وكل ذلك جعل أسوان مقصدا للعالم أجمع، ومحطة جذب لأنظار علماء الآثار والمستكشفين، وفرق التنقيب عن الآثار، حيث تمثلت فيها آثار ما قبل التاريخ، فالعصر الفرعوني، فآثار البطالمة والرومان، ثم آثار العصر القبطي والاسلامي.
وتروي الدكتورة سعاد ماهر محمد، بعضا من تفاصيل إسهامها بصحبة آثاريين آخرين، في أعمال التنقيب الأثري التي أثبتت –حسب قولها– أصالة مدينة أسوان، واحتضانها للإسلام، وتشير إلى أن بعض الصحابة والتابعين ممن وفدوا لأسوان، توفي بعضهم بها ودفنوا فيها منذ سنة 31 هـ ، وذلك كما هو ثابت في النقوش والكتابات الأثرية، بجانب أنها كانت مسكنا للأمراء وعلية القوم في العصور الوسطى، وهو الأمر الذي تسجله عقود الزواج التي وجدت مكتوبة على المنسوجات الأثرية.
وتسجل لنا الكتب والمؤلفات التي تناولت تاريخ مدينة أسوان، كثيرا من النصوص التي تناولت معالم أثرية ومحطات تاريخية تؤكد التنوع الحضاري على أرض تلك المحافظة المصرية الواقعة في أقصى جنوب البلاد.
وقد وثق كتاب "مدينة أسوان وآثارها في العصر الإسلامي"، وغيره من الكتب والمؤلفات والمصادر العربية وكذلك الأجنبية، روايات عديدة مما أورده الرحالة والمؤرخون عن معالم أسوان وتاريخها في مؤلفاتهم القديمة.
وفي هذا السياق، فقد ذكر عالم الآثار الفرنسي هنري جوتييه في قاموسه المعروف "قاموس الأسماء الجغرافية في النصوص الهيروغليفية"، كثيرا من الأسماء التي عُرفت بها أسوان قديما، ومنها "السوق"، أو "محل التجارة" حيث كانت تتبادل فيها أنواع التجارة من القطرين المصري والسوداني، وقد توالت تلك الأسماء حتى أسماها العرب "أسوان".
وذكرها كذلك العالم الفرنسي إميل أميلينو في كتابه "جغرافية مصر في العصر القبطي"، وقال، إنها وردت في كشف الأسقفيات، وورد ذكر أسوان في كتاب "معجم البلدان" لياقوت الحموي الذي قال "أسوان بلد في آخر الصعيد بمصر"، وكتاب "التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية"، ليحيى بن شاكر بن الجيعان الذي قال، أسوان ثغر من ثغور مصر.
وأورد أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي البشاري، في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" فقال، أسوان قصبة الصعيد على النيل، عامرة كبيرة، بها منارة طويلة، ولها نخيل وكروم كثيرة، وخيرات وتجارات، وهي من أمهات المدن.
وكذلك ذكرها محمد بن عبد الله بن إدريس الحسني الطالبي، المعروف بالشريف الإدريسي، في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" فقال، أسوان آخر بلاد الصعيد الأعلى، وهى مدينة صغيرة عامرة، كثيرة الحنطة، وسائر أنواع الحبوب والفواكه، والدلاع (نوع من البطيخ) وسائر البقول، وبها اللحوم الكثيرة من البقر والحملان والماعز والخرفان العجيبة البالغة في الطيب والسمن، مع رخص أسعارها، وبها تجارات وبضائع، في إشارة إلى كونها كانت مركزا للتجارة بين مصر والسودان.
وهكذا فقد ورد اسم أسوان ووصفها وذكر معالمها وتاريخها في عشرات المصادر من المؤلفات التي وضعها رحالة ومستشرقون وعلماء آثار وجغرافيون عرب وأجانب.
ووفقا للمصادر فإن لكل منطقة أو إقليم من أقاليم مصر مميزات امتاز بها في عصر معين، أما منطقة أسوان فقد انفردت بمميزات لم تتغير بتغير الدول والعصور، بجانب أن موقعها الجغرافي فرض على أهلها الكفاح منذ العصر الفرعوني.
معالم قبطية وإسلامية
وإذا كانت أسوان تشتهر بآثارها التي شيدها حكام مصر القديمة والفراعنة الكبار؛ مثل: الملك رمسيس الثاني، فإنها احتلت مكانة كبيرة منذ أن دخل الإسلام مصر، وقد عثر بها على شاهد قبر يرجع إلى سنة 31 هـ، كما عثر في أسوان على شواهد قبور أخرى مكتوب عليها الاسم ثم تجيء بعده كلمة الأنصاري، ومعنى ذلك أن مدينة أسوان سكنها أقوام من العرب من القرن الأول الهجري ممن عاصروا الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وسكن أسوان قبائل من قحطان ونزار وربيعة ومضر والأنصار وبني هلال، وكثير من القرشيين ممن وفدوا من الحجاز.
وهكذا فإن الآثار الباقية في أسوان لا تقتصر على المعابد والمقاصير المصرية القديمة، وكذا البطلمية والرومانية، بل هناك آثار عديدة قبطية وإسلامية كانت موضوعا للعديد من البحوث والدراسات التي أرخت لتلك الآثار، وقدمت وصفا دقيقا لما احتوت عليه من مبان وعمائر، كما أنها توجد على الخريطة السياحية للمحافظة.
ونذكر من الآثار القبطية في أسوان –على سبيل المثال–: دير الأنبا سمعان الذي يطلق عليه أهل اسوان اسم الأنبا هدرا نسبة إلى رئيس الرهبان الذين عاشوا في القرن 5 م .
وحول عالم أسوان الإسلامية، فإن هناك مزارات إسلامية باتت اليوم مقصدا لكثير من السياح، وقد بات ضريح الأغا خان هو مدفن آغا خان الثالث (السلطان محمد شاه)، المتوفى سنة 1957، ويوجد على ضفة النيل في مدينة أسوان المصرية، بات هذا الضريح المستوحى من تصميم المقابر الفاطمية المصرية، على من المعالم التي تشتهر بها المحافظة، تقول المصادر، إن أسوان عرفت أقدم كتابة على الحجر في مصر الإسلامية، وهكذا فقد عرفت أسوان معالم أثرية ترجع لكل الحضارات.